التعبير الموسيقي
تأليف: آلان
ترجمة وتقديم: كمال بومنير
هذه الترجمة مهداة للأستاذ عبد الباقي هزرشي
آلان Alain(إيميل أوغست شارتيه) فيلسوف فرنسي، وُلد عام 1868. تأثر بأعمال أفلاطون وديكارت وكانط وأوغست كونت، غير أنه تأثر بشكل أعمق بأعمال أستاذه جول لانيو Jules Lagneau الذي أعجب كثيرا بطريقته العقلانية في التفلسف وصرامته الفكرية لأن المقصد الأساسي للفلسفة في نظر آلان لا يتمثل في تأسيس أنساق مجردة ومفصولة عن الواقع الإنساني العيني والحي بل في تعليمنا طريقة التعامل مع الواقع وتعقله. من أهم مؤلفاته: "نظرية المعرفة عند الرواقيين" 1891، "سبينوزا" 1900، "عناصر الفلسفة "1916، "نسق الفنون الجميلة "1916، "المواطن ضد السلطات" 1926، "عشرون درسا في الفنون الجميلة" 1931، "الفنون والآلهة" 1934، "مدخل إلى الفلسفة "1945. أما الأعمال التي تضمنت آراءه الفنية والجمالية، وخاصة في مجال فن الموسيقى يمكن أن نذكر على وجه التحديد كتابه الموسوم ﺒ "نسق الفنون الجميلة" المنشور عام 1916 وكتاب آخر بعنوان "الفنون والآلهة" 1934. هذا وتوفي آلان عام 1951.
النص:
معلومٌ أنّ العديد من الموسيقيين، وخاصة الكبار منهم، قد أشاروا في كثير من الأحيان عبر عناوين مقطوعاتهم الموسيقية إلى ما يبدو أنّ موسيقاهم توحي به، وليس من النادر حقا أن تصف هذه الأخيرة ذلك بواسطة الصوت المحاكي.والحالُ أنه ليس بغير ذي أهميةٍ أن نلاحظ أنّ سماع الموسيقى البسيطة من خلال هذه الطرائق لهو أمر بديهي. ولكن ومع ذلك من الصعب حقاً أن نعرف ماذا سيفيد الموسيقى الجميلة في ذلك. ربّما من بين آثار العناوين والبرامج الموسيقية أن تجعل المرء يعيش أحلاما شاعرية وتأملية، وهذا ما يهيئه للسماع الحَسن للموسيقى. وبيان ذلك أنّ الموسيقى الجميلة تشغل الروح كلها وتملأها بشكل غريب إذا صح القول، ولكن من دون أن تترك مكانا يُذكر للأحلام. ومع ذلك تبقى الروح مشدودة إليها ولا تستطيع منها فكاكا. الأمر اللافت بلا شك هو أنّ الموسيقى موحية كثيرا، غير أنها لا تعبّر إلا عن نفسها فقط. وإنّ هذا لعمري موضوع جديرٌ بالنقاش من قبل أناس صادقين، لأنّ هؤلاء كلهم قد أدركوا بعض الصواب في ذلك. والجدير بالذكر بهذا الصدد هو أنّ الموسيقى تذكرنا بكيفية ساحرة بالذكريات، ولكن ومع ذلك، تبقى المنظورات دائما آفلة وبعيدة، حيث تبدو لنا رنانة. وتوضيحُ ذلك أنّ الموسيقى ترسمُ أبسط حركات الروح الإنسانية بكل تفاصيلها. كما أنها تستحضر الذكريات التي نعجز عن تسميتها. فمعلومٌ أنها تعرّفنا بما لم نعرفه حقا. ومن المهم أن نلاحظ، في أية حال، أنه عندما تمر الموسيقى، غالبا ما يكون للأحلام حركات حية ومفاجآت. وهكذا، يأخذ العنوان البسيط للموسيقى قوة القصيدة الشعرية. ولكنها لغة بدون كلمات وبدون موضوع لأن الروح تصبح حينئذ مرتاحة وخالية، جديدة ومليئة بالإيمان.
هذا ويبدو لي أنّ طريق الموسيقى يقودنا دوما من الأحلام إلى الفعل، أو بعبارة أخرى، من الحزن إلى الإيمان. من الملاحظ أنني استعملتُ هنا كلمة الإيمان لا الأمل، لأن الأمل يبحث دوما عن منفذ خارج الإيمان عوض أن يخوض هذا الأخير غمار مغامرة وهو خالٍ من كل المخاوف. ومن هنا يبدو لي أنّ الموسيقى تطهر الروح أفضل من الشعر حينما تسترجع دوما الحركة التي تشفيها دائما. ووفقا لهذه النظرة يمكننا القول إنّ الموسيقى تعبيرٌ خالصٌ. وهذا بطبيعة الحال، إذا ما أبانت دائما كيف أنّ الروح حققت فعلا خلاصها مرة أخرى. لنحاول أن نتأمل أحوالنا الباطنية حينما نسترخي عند سماع الموسيقى. ليس من شك أنّ وعينا بذاتنا مرهونٌ بهذا الوضع، وهذا –بطبيعة الحال-في اللحظة التي نعيد فيها تشكيل وجودنا حينما يكون وعينا يقظا [...]
إنّ ما يميّز الموسيقى حقا هو أنّ في أجمل لحظاتها لا تعني شيئا ما، وهذا في اللحظة التي تنفصل فيها عن اللغات الأخرى وتتميز عنها. ولكن ومع ذلك لا يصح أن تترك الموسيقى عرضة للمصادفة، بل على العكس، يجب أن تتطور وفق ما تعد به. وهكذا، ومن خلال هذه القوة التي تمتلكها يمكنها أن تعبّر عن ما تعجز اللغات الأخرى التعبير عنه، أي تاريخ الحياة الإنسانية عبر الزمن.
Alain, Les Arts et les Dieux, Paris, éditions Gallimard, 1990, pp 310-312
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق