سياسة الاعتراف ودسترة الحقوق
تأليف: ميشيل سيمور
ترجمة وتقديم: كمال بومنير
ميشيل سيمور Michel Seymour فيلسوف كندي معاصر وُلد عام 1954 بمدينة مونتريال. انصبت اهتماماته على المجال الفلسفي السياسي،وخاصة بعد تأثره بأعمال الفيلسوف الأمريكي جون راولز التي دارت حول موضوع العدالة في ظل الليبرالية السياسية بغية الدفاع عن الحقوق الجماعية والفردية وإيجاد آليات جديدة تضمن تحقيق فعلي للعدالة في المجتمعات المعاصرة. غير أنّ تحقيق العدالة يتطلب –بحسب ميشيل سيمور-الرجوع إلى مفهوم الاعتراف لأنّ مبدأ التسامح الذي كان سائدا في الفكر السياسي والأخلاقي منذ عصر التنوير لم يعد مرتكزا أساسيا لضمان العدالة في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي عرفها العالم المعاصر. لذلك أصبحت سياسة الاعتراف، في نظر ميشيل سيمور، من بين المرتكزات الأساسية لتحقيق مطلب التقدير للأفراد والجماعات بصورة عادلة في ظل المؤسسات الحالية لليبرالية السياسية. من أهم أعمال ميشيل سيمور: "الجنسية والمواطنة والتضامن" 1999، "المهنة: فيلسوف" 2006، "من التسامح إلى الاعتراف" 2007.
النص:
من المعلوم أنّ الاعتراف لا ينطبق على الأفراد فحسب بل ينطبق أيضا على الشعوب. كما أنه لا يتعلق بالاحترام المتساوي بين الشعوب والأفراد فقط، ولكن أيضا باختلافهم. وهذا ما يجب أن يضاف لا أن يحل محل نظرية العدالة التوزيعية. في هذا المضمار لا يتعلق الأمر البتة بتحقيق جملة من السياسات الخاصة والمؤقتة بل بتحقيق اعتراف دائمٍ بغرض تحقيق جملة من الحقوق. ولعل هذه الحقيقة هي التي دفعتني إلى المطالبة ﺑــ "دسترة" الحقوق الجماعية Droits collectifs. وفي هذه الحال قد يعترض معترض فيقول إنّ الحقوق الأخلاقية الجماعية موجودة ولا يصح دسترتها لعدة أسباب متعلقة بمشاكل عدم الاستقرار التي يمكن أن تتولد عنها. ولعلّنا نذكّر عند النقطة بأنّ موضوع الاعتراف يطرح العديد من المشكلات، لذلك كان التفكير في مسألة الحقوق الجماعية أمرا أساسيا. هذا، وأقصد ﺑــ "سياسة الاعتراف" Politique de la reconnaissance كل إجراء، سواء أكان مدسترا Constitutionalisé أو غير مدستر، يهدف إلى ترقية أو المحافظة على الاختلاف أو الاحترام المتساوي بين الأفراد أو بين الشعوب بغية تحقيق نوع من الاحترام أو التقدير لمواجهة كل أشكال الإذلال التي تمس هويتهم من الناحية القانونية والدستورية. والحقُ أنّ اهتمامنا بالحقوق الجماعية ليس لكونها الموضوع الوحيد الذي يتم معالجته ضمن مفهوم الاعتراف فحسب بل لكونها تسهم في سد الفجوة التي تركتها النظريات الليبرالية الكلاسيكية.وإذا كان الأمر كذلك، كان لزاما عليّ أن أبرز أهمية سياسة الاعتراف بغية َسد هذه الفجوة. وإنه مهمٌّ في هذا الشأن أن نلاحظ أنّ النظريات الليبرالية الكلاسيكية كانت قد أولت حق المساواة بين الأشخاص أهمية قصوى، وهذا ما يتناسب-والحقُ يقال- مع أهمية مبدأ الاستقلالية Autonomie والعدالة التوزيعية التي يستفيد منها الأفراد. لهذا السبب كانت هذه النظريات ترفض دوماً الاعتراف الشكلي بالجماعات الثقافية. ومع ذلك يجب أن نشير هنا إلى أنّ الحقوق الأخلاقية، والحق في المساواة والاختلاف بالنسبة للأفراد والجماعات هي -بطبيعة الحال- شكلٌ من أشكال الاعتراف. ولعل هذه هي النتيجة المترتبة عن قبول نظام الحقوق الجماعية النابع من إرادة دسترة الحق في الاختلاف والحق في الاحترام المتساوي بين الجماعات. بهذا لم يبق لي إلا أن أطرح السؤال التالي: لماذا نحن في حاجة إلى سياسة للاعتراف بالجماعات؟ يقودني هذا إلى الإقرار بأنني أبحث عن تسويغ ممارسة خاصة لسياسة الاعتراف التي يمكن أن تأخذ شكل حقوق جماعية متمثلة في الشعوب نفسها. لذا كان لزاما علينا التطرق إلى هذه المسألة بصورة عامة، وبعد ذلك سيتم الانتقال إلى الاعتبارات الأكثر خصوصية.
Michel Seymour, De la tolérance à la reconnaissance. Une théorie libérale des droits collectifs, Montréal, les Editions du Boréal, 2008, pp 106-107.
ترجمة وتقديم: كمال بومنير
ميشيل سيمور Michel Seymour فيلسوف كندي معاصر وُلد عام 1954 بمدينة مونتريال. انصبت اهتماماته على المجال الفلسفي السياسي،وخاصة بعد تأثره بأعمال الفيلسوف الأمريكي جون راولز التي دارت حول موضوع العدالة في ظل الليبرالية السياسية بغية الدفاع عن الحقوق الجماعية والفردية وإيجاد آليات جديدة تضمن تحقيق فعلي للعدالة في المجتمعات المعاصرة. غير أنّ تحقيق العدالة يتطلب –بحسب ميشيل سيمور-الرجوع إلى مفهوم الاعتراف لأنّ مبدأ التسامح الذي كان سائدا في الفكر السياسي والأخلاقي منذ عصر التنوير لم يعد مرتكزا أساسيا لضمان العدالة في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي عرفها العالم المعاصر. لذلك أصبحت سياسة الاعتراف، في نظر ميشيل سيمور، من بين المرتكزات الأساسية لتحقيق مطلب التقدير للأفراد والجماعات بصورة عادلة في ظل المؤسسات الحالية لليبرالية السياسية. من أهم أعمال ميشيل سيمور: "الجنسية والمواطنة والتضامن" 1999، "المهنة: فيلسوف" 2006، "من التسامح إلى الاعتراف" 2007.
النص:
من المعلوم أنّ الاعتراف لا ينطبق على الأفراد فحسب بل ينطبق أيضا على الشعوب. كما أنه لا يتعلق بالاحترام المتساوي بين الشعوب والأفراد فقط، ولكن أيضا باختلافهم. وهذا ما يجب أن يضاف لا أن يحل محل نظرية العدالة التوزيعية. في هذا المضمار لا يتعلق الأمر البتة بتحقيق جملة من السياسات الخاصة والمؤقتة بل بتحقيق اعتراف دائمٍ بغرض تحقيق جملة من الحقوق. ولعل هذه الحقيقة هي التي دفعتني إلى المطالبة ﺑــ "دسترة" الحقوق الجماعية Droits collectifs. وفي هذه الحال قد يعترض معترض فيقول إنّ الحقوق الأخلاقية الجماعية موجودة ولا يصح دسترتها لعدة أسباب متعلقة بمشاكل عدم الاستقرار التي يمكن أن تتولد عنها. ولعلّنا نذكّر عند النقطة بأنّ موضوع الاعتراف يطرح العديد من المشكلات، لذلك كان التفكير في مسألة الحقوق الجماعية أمرا أساسيا. هذا، وأقصد ﺑــ "سياسة الاعتراف" Politique de la reconnaissance كل إجراء، سواء أكان مدسترا Constitutionalisé أو غير مدستر، يهدف إلى ترقية أو المحافظة على الاختلاف أو الاحترام المتساوي بين الأفراد أو بين الشعوب بغية تحقيق نوع من الاحترام أو التقدير لمواجهة كل أشكال الإذلال التي تمس هويتهم من الناحية القانونية والدستورية. والحقُ أنّ اهتمامنا بالحقوق الجماعية ليس لكونها الموضوع الوحيد الذي يتم معالجته ضمن مفهوم الاعتراف فحسب بل لكونها تسهم في سد الفجوة التي تركتها النظريات الليبرالية الكلاسيكية.وإذا كان الأمر كذلك، كان لزاما عليّ أن أبرز أهمية سياسة الاعتراف بغية َسد هذه الفجوة. وإنه مهمٌّ في هذا الشأن أن نلاحظ أنّ النظريات الليبرالية الكلاسيكية كانت قد أولت حق المساواة بين الأشخاص أهمية قصوى، وهذا ما يتناسب-والحقُ يقال- مع أهمية مبدأ الاستقلالية Autonomie والعدالة التوزيعية التي يستفيد منها الأفراد. لهذا السبب كانت هذه النظريات ترفض دوماً الاعتراف الشكلي بالجماعات الثقافية. ومع ذلك يجب أن نشير هنا إلى أنّ الحقوق الأخلاقية، والحق في المساواة والاختلاف بالنسبة للأفراد والجماعات هي -بطبيعة الحال- شكلٌ من أشكال الاعتراف. ولعل هذه هي النتيجة المترتبة عن قبول نظام الحقوق الجماعية النابع من إرادة دسترة الحق في الاختلاف والحق في الاحترام المتساوي بين الجماعات. بهذا لم يبق لي إلا أن أطرح السؤال التالي: لماذا نحن في حاجة إلى سياسة للاعتراف بالجماعات؟ يقودني هذا إلى الإقرار بأنني أبحث عن تسويغ ممارسة خاصة لسياسة الاعتراف التي يمكن أن تأخذ شكل حقوق جماعية متمثلة في الشعوب نفسها. لذا كان لزاما علينا التطرق إلى هذه المسألة بصورة عامة، وبعد ذلك سيتم الانتقال إلى الاعتبارات الأكثر خصوصية.
Michel Seymour, De la tolérance à la reconnaissance. Une théorie libérale des droits collectifs, Montréal, les Editions du Boréal, 2008, pp 106-107.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق