أعلان الهيدر

الجمعة، 20 ديسمبر 2019

الرئيسية نحو إعادة بناء مفهوم الاعتراف

نحو إعادة بناء مفهوم الاعتراف



نحو إعادة بناء مفهوم الاعتراف

تأليف: ستيفان هابر
ترجمة وتقديم: كمال بومنير


ستيفان هابر Stéphane Haber فيلسوف فرنسي معاصر، من مواليد 1967، وهو أستاذ محاضر بجامعة نانتير Nanterre متخصص في الفلسفة السياسية والاجتماعية. عالج في أعماله العديد من القضايا السياسية والاجتماعية والأخلاقية متأثرا في ذلك بكتابات فلاسفة مدرسة فرانكفورت (ثيودور أدورنو، يورغن هابرماس،أكسل هونيث، الخ)، وهذا ما يظهر في العديد من المؤلفات والمقالات التي كتبها حول الأمراض الاجتماعية والاغتراب والتشيؤ والاعتراف. من مؤلفاته: "هابرماس والسوسيولوجيا" 1998 (ترجمة أستاذنا محمد جديدي)، "يورغن هابرماس: مدخل" 2001، "نقد النزعة الطبيعية المضادة" 2005، "الاغتراب"2007، "الإنسان المسلوب: تقليد نقدي من ماركس إلى هونيث"2009، "فرويد والنظرية الاجتماعية"2012، "تجديد الفلسفة الاجتماعية" 2012، "عالم الحياة كمقولة نقدية في الوقت الراهن"2013،"إشكالية الاغتراب الموضوعي"2013، "التفكير في الليبرالية الجديدة:الحياة والرأسمال والاغتراب"2013. 

النص:
في كتابه الموسوم ﺑــ "التشيؤ" لم يستبعد أكسل هونيث أي جانب من الجوانب الثلاثة (اجتماعيًا وأنثروبولوجيًا ونفسيًا) فيما يخص بناء النظرية الأولى للاعتراف، غير أنه كان يسعى إلى إبراز- بطريقة غير هيغلية- أنّ هناك مستوى آخر من الاعتراف غير مرتبط مباشرة بالمؤسسات وأقل اعتمادًا على ظاهرة الصراع الاجتماعي. والحقُ أنّ خلفية هذا التطور المفاجئ سياسيةٌ بامتياز؛ ففي زمن هيمنة الليبرالية الجديدة والمعولمة لم تعد ديناميكية توسيع الأطر المؤسساتية للاعتراف، التي كانت متاحة في الحركات الاجتماعية، موجودة في الزمن الراهن. لذلك، فمن الآن فصاعدً لم يعد من الممكن الثقة في التاريخ. إنّ الأمر أصبح متوقفا في نهاية الأمر على وضع إطار فلسفي متسق مع النتائج النظرية المهمة التي تم الحصول عليها ضمن الإطار الهيغيلي، وهذا ما سيسمح لنا –من دون شك-بالتعبير بصورة مباشرة عن الأمراض الاجتماعية Les pathologies sociales الكامنة أو المرتبطة بقوةٍ بسياق الطور الجديد للرأسمالية. وبغية تحقيق هذا الغرض احتفظ أكسل هونيث بحدسه الأول –النقد قائم على تفسير كيف يتم تشويه علاقات الاعتراف- غير أنه كان يثبت أنّ هناك علاقات اعتراف أعمق من تلك التي تحدث عنها في كتابه الموسوم بـ "الصراع من أجل الاعتراف"؛ وبذلك، يمكن أن تتحقق الشروط المسبقة الأساسية للتجربة الإنسانية غير المرضية في سياق التطورات المعاصرة. لهذا السبب يعتقد أكسل هونيث أنه بات من الضروري تصوّر الاعتراف "أولاً وقبل كل شيء من وجهة نظر الشخص الذي يمارسه لا من وجهة نظر من يستفيد منه؛ والحالُ أننا هنا أمام عملية ذاتية أو بالأحرى ما قبل اجتماعية، وهذا ما يمكن أن يتم كنتيجة لسيرورة اجتماعية (مثل الصراع على سبيل المثال) التي من شأنها أن تنعكس من جديد على الفرد. وذلك لأنه يقصد بمصطلح "الاعتراف" الآن ذلك الموقف الذاتي تجاه أي موضوع (سواء تعلّق الأمر بالأشخاص أو بعناصر من العالم الداخلي أو من العالم الخارجي) التي يحصل من خلالها هذا الموضوع اهتمامًا خاصًا أو يصبح مثيرا للاهتمام بالنظر إلى قيمته في الوقت الذي نفهمه ونشعر من خلاله بنوع من الارتباط العاطفي.وبذلك، فإنّ الاعتراف هو أن نشعر بنوع من التعاطف عندما يصبح للموضوع معنى متماسك بحيث يوّلد فينا الحاجة إلى معرفته. وهكذا، ومن خلال هذا التعريف الأساسي الجديد، لم يعد مقابل الاعتراف هو الاحتقارLe mépris والاستبعاد والإذلال الذي تبيّنُ من خلاله المؤسسات أنها لا ترقى إلى المطالب الفردية للاعتراف المشروع. ليس من شك أنّ اللامبالاة واللاتبصّر ونكران الاعتراف هي التي تبدو وكأنها شروط مسبقة لقيام علاقات تكتسي طابعا أداتيا وعدوانيا. وبذلك، لم نعد –والحقُ يقال-نفكر في أولئك الذين يقعون ضحية وضع اجتماعي يتسم بعجز البنيات العامة للاعتراف، ولكن بشكل أصلي أكثر، من وجهة نظر الفاعل غير القادر على الاعتراف بما يجب أن يعترف به ضرورةً ليكون "ذاتا" بشكل أصيل. والحالُ أنّ المرتكز الأساسي لعملية البناء النظري يقوم الآن على نوع من علم النفس الذي يعود إلى أبعد من الظروف العملية والوجدانية المناسبة لتحقيق الذات بغية الاهتمام بالعمليات التي بدونها لن يتم الكشف عن الواقع الحقيقي، وبالتالي لن يتم العثور عن الموضوع بشكل نهائي.

Stephen Haber, L’homme dépossédé, une tradition critique de Marx à Honneth, Paris, CNRS, 2009, pp 187-189.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.