أعلان الهيدر

الأربعاء، 18 ديسمبر 2019

الرئيسية حول اللوحات الفنية التجريدية ﻟ "فاسيلي كاندنسكي

حول اللوحات الفنية التجريدية ﻟ "فاسيلي كاندنسكي


حول اللوحات الفنية التجريدية ﻟ "فاسيلي كاندنسكي

 تأليف: ألكسندر كوجيف
ترجمة وتقديم: أ. د/ كمال بومنير


ألكسندر كوجيف Alexandre Kojève فيلسوف فرنسي من أصل روسي، وُلد عام 1902. يُعتبر أحد كبار شرّاح فلسفة هيغل في القرن العشرين، وهذا ما يظهر بجلاء في شروحه لكتاب "فينومينولجيا الروح" La phénoménologie de l’esprit لهيغل الذي مثّل من دون شك منعطفا أساسيا فيما يخص تلقي La réception فلسفة هيغل في فرنسا. والحقُ أنّ هذا الكتاب كان في الأصل سلسلة من الدروس ألقاها ألكسندر كوجيف بين شهر جانفي 1936 وماي 1939 بمركز الدراسات العليا في باريس، حيث تطرق فيها إلى العديد من القضايا والمسائل الفلسفية العويصة التي عالجها هيغل في "فينومينولجيا الروح" (المعرفة المطلقة، الوعي الذاتي، تجليات الروح المطلق، الاعتراف المتبادل، جدلية العبد والسيد، نهاية التاريخ، الخ.) التي أثرت من دون شك على العديد من الفلاسفة الفرنسيين (جورج بطاي، جاك لكان، ريمون آرون، موريس ميرلوبونتي، هنري كوربان، جان هيبوليت، إريك فايل، ميشيل ليريس، ريمون كينو) الذين حضروا هذه الدروس واستفادوا من تحاليل وقراءات ألكسندر كوجيف لكتاب "فينممنولوجيا الروح". من أهم مؤلفات ألكسندر كوجيف: "مدخل إلى قراءة هيغل" 1947، "كانط" 1973، "دراسة أولية في فينومينولجيا الحق" 1981، "فكرة الحتمية في الفيزياء الكلاسيكية والفيزياء الحديثة 1990"، "المفهوم، الزمن والخطاب" 1990، "الإلحاد" 1998، "مفهوم السلطة" 2004.أما الأعمال التي تضمنت آراءه الفنية والجمالية، وخاصة في مجال فن الرسم يمكن أن نذكر على وجه التحديد كتابه الهام الموسوم ﺒ "اللوحات الفنية الواقعية لفاسيلي كاندنسكي". هذا، وتوفي ألكسندر كوجيف عام 1968.

النص:

ليس من شك أنّ كل لوحة من لوحات فاسيلي كاندنسكي Wassily Kandinsky هي بمثابة عالم حقيقي وكامل، من حيث هو عالم عيني ومنغلق على ذاته بل ومكتفٍ بذاته أيضا. والحقُ أنّ العالم، على غرار العالم اللا فني Non-artistique أي ما يسمى بالكلية الأحادية للأشياء الواقعية ليس سوى عالم في ذاته ومن ذاته ومن أجل ذاته. وبذلك لا يمكننا القول بأنّ هذه اللوحات الفنية "تمثّل" حقا أجزاء هذا العالم اللافني. إنّ أقصى ما يمكننا قوله هنا أنها أجزاء من هذا العالم. ويمكن القول في هذا السياق إنّ لوحات كاندنسكي تنتمي إلى العالم بالطريقة نفسها التي تنتمي فيه الأشجار والحيوانات والحجارة والبشر والدول والصور، الخ، وغيرها من الأشياء الحقيقية الموجودة في العالم وتكوّنه. ولكن، وفيما يخص "الجميل" المتضمن في لوحات كاندنسكي، من الأصح القول –ضمن هذا السياق- إنّ هذا الجميل مستقل من دون شك عن جمال العالم وجمال الأشياء الموجودة في العالم. هذا وتجدر الإشارة إلى أنّ جمال كل لوحة من لوحات كاندنسكي هو جمال عالم شامل، أما مثل هذه الأعمال الفنية الجميلة فهي تقترب إلى حد ما من الجمال الفني والفريد من نوعه للعالم الواقعي. وبذلك يتبين أنّ كل لوحة من لوحات كاندنسكي هي عبارة عن عالم واقعي وشامل أي عيني مثل جمال هذه اللوحة الفنية. لهذا السبب يمكننا اعتبار لوحاته "اللا تمثلية" Non-représentative لوحات "شاملة" أو أحادية الشمول" من حيث هي فن خلق عوالم يتم فيها اختزال وجودها إلى ما تضمنه من جمال. بيد أنّ هذه اللوحات "الشاملة" تتعارض –بطبيعة الحال- مع اللوحات "التمثّلية" أي ما يُسمى باللوحات "الرمزية" و"الواقعية" و"الانطباعية" و"التعبيرية". ولكن وعلى غرار اللوحات الأخرى، يمكن أن تُنجز تلك اللوحات من خلال الأنماط الأربعة التصويرية للرسم الملوّن. والمستفاد من هذا أنّ لوحات "اللا تمثّل" Non-représentation أو "الشاملة"، من حيث هي في الأساس عينية وغير مجردة، هي بالضرورة "موضوعية" وليست ذاتية. وهذا ما يحتاج حقا إلى تبيين؛ أولا وقبل كل شيء، يمكننا القول بأنّ اللوحة الفنية "الشاملة" ليست ذاتية بالنظر إلى أصلها. والحقُ أنّه لا يمكن أن تتم عملية التجريد إلا إذا قامت به "ذاتٌ" من الذوات لأنّ معنى التجريد هنا هو اختيار والاختيار هو موقف شخصي بالنظر إلى كونه موقفا ذاتيا. فالشجرة على سبيل المثال موجودة بصورة كلية (بغض النظر عن ذاتي)، غير أنّ الجانب الخاص للشجرة "الممثّلة" على اللوحة الفنية موجودة في ذاتي ولا يمكن أن توجد إلا إذا كنتُ موجودا. ولكن ومع ذلك فإنّ هذه اللوحة "الشاملة" ليست في حقيقة الأمر شيئا مجردا. فالدائرة-المثلث موجودة حقا من خلال شموليتها. وبناء عليه، يظهر أنّ اللوحة موجودة بغض النظر عن ذاتي مثلما هو عليه حال الشجرة الحقيقية. أما إذا وُلدت الدائرة-المثلث فإنها ستولد مثلما تولد الشجرة من البذرة. ستولد بغض النظر عن ذاتي. نحن هنا إذن أمام مولد الموضوعية. إنّ هذا -والحق يقال- مولد لشيء ما. لذلك فمن المؤكد أنّ اللوحة الفنية من "إنتاج" الرسّام. وتبعا لذلك فإنّ اللوحة المسماة "الدائرة-المثلث للرسّام فاسيلي كاندنسكي لم يكن من الممكن أن توجد لو لم يرسمها هذا الأخير. ورغم ذلك فلا يتعلق الأمر هنا بالنزعة ذاتية Subjectivisme وما يُسمى ﺒ "مولد" اللوحة "التمثلية". وفضلا عن ذلك فإنّ "مولد" اللوحة "شجرة" هو إلى حد ما ذو طابع مزدوج. فهناك أو وقبل كل شيء "مولد" الجمال المجرّد للشجرة أي "مولد" "التجريد" ثم هناك ما يُسمى ﺒ "مولد" "اللوحة " "شجرة" التي تجسّد هذا التجريد. أما فيما يخص حالة اللوحة "الدائرة-المثلث" فلا يوجد سوى هذا المولد، فالأول غير موجود أصلا ما دام أنّ هذه اللوحة ليست مجرّدة. ولكن وبحسب ما يظهر فإنّ "المولد" الأول هو فقط ما يمكن اعتباره ذاتيا. وبذلك فلا لا يتدخل عنصر آخر في "مولد" اللوحة الشاملة[..]

ليس من شك أنّ اللوحة "الشاملة" من حيث أنها ليست "تمثلا" لشيء ما هي نفسها شيء. وإذا كان الأمر كذلك، فإنّ لوحات فاسيلي كاندنسكي لا يمكن اعتبارها لوحات تمثّل أشياء ما وإنما هي أشياءٌ مرسومة. إنها أشياء مثل بقية الأشياء (الأشجار والجبال والكراسي والدول، الخ) فهي "أشياء"، ولكن ومع ذلك فهي أشياء مصوَّرة ولوحات "موضوعية". أما بالنسبة إلى اللوحة "الشاملة" فهي مثل الأشياء أي أنها موجودة بصورة "مطلقة" لا نسبية. لأجل ذلك، يمكننا اعتبار هذه اللوحة مستقلة عن "علاقاتها" بكل الأشياء الأخرى ما عدا علاقتها بذاتها، إنها موجودة على غرار وجود العالم. لذلك يجب أن نعترف في نفس الوقت بأنّ هذا هو السبب الذي جعل اللوحة "الشاملة" هي أيضا لوحة "مطلقة". لقد تحصل من هذا، أنّه وبخلاف الرسم "التمثّلي" عبر مختلف تحوّلاته الأربعة المتعلقة ﺒ "الرمزية" و"الواقعية" و"الانطباعية" و"التعبيرية" المتصفة بالطابع المجرّد والذاتي، فإنّ اللوحات الفنية "اللا تمثلية" أو "الشاملة والمطلقة" التي رسمها فاسيلي كاندنسكي هي في حقيقة الأمر عينية وموضوعية. والحقُ أنها موضوعية لأنها لا تقتضي أي إسهام ذاتي نابع من الرسّام نفسه أو المشاهد . وهي عينية لأنها ليست تجريدات لأشياء معينة خارج عنها ولكن من العوالم الشاملة والواقعية الموجودة في ذاتها بطريقة نفسها التي يوجد بها العالم الحقيقي اللا فني.

الهوامش:

Alexandre Kojève, Les peintures concrètes de Kandinsky, Paris, éditions Lettre Volée, 2001, pp 30-32

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.