أعلان الهيدر

الأربعاء، 13 يناير 2021

الرئيسية إيتيقا الاعتراف والصراعات الاجتماعية

إيتيقا الاعتراف والصراعات الاجتماعية

 

إيتيقا الاعتراف والصراعات الاجتماعية


هذه الترجمة مهداة للروائي الدكتور إبراهيم سعدي
"إيتيقا الاعتراف والصراعات الاجتماعية"
تأليف: إيمانويل رينو
ترجمة وتقديم: كمال بومنير 




إيمانويل رينو Emmanuel Renault فيلسوف فرنسي معاصر وُلد في 1967 انصب اهتمامه على الفلسفة الاجتماعية والسياسية وانصرف إلى دراسة موضوع الاعتراف الاجتماعي بعد تأثره بأعمال ممثل الجيل الثالث لمدرسة فرانكفورت، الفيلسوف الألماني أكسل هونيث، وبخاصة كتابه العمدة الموسوم ﺑـــ الصراع من أجل الاعتراف عام 1992. واللافت للنظر أنّ إيمانويل رينو استطاع أن يشق لنفسه خطا فلسفيا متميزا عن أكسل هونيث، وخاصة ما يتعلق بمسألة العودة إلى النصوص الأولى للاعتراف في المتن الهيغلي، وهذا ما دفعه إلى ترسيخ التقليد الفلسفي الفرنسي الذي أسسه ألكسندر كوجيف في الثلاثينيات من القرن العشرين القائم على قراءة مفهوم الاعتراف المتبادل من خلال كتاب "فينومينولوجيا الروح" لا كتابات الشباب الأولى في طور إيينا كما ذهب إلى ذلك أكسل هونيث في عمله التأسيسي للاعتراف. من أهم أعمال إيمانويل رينو: "ماركس وفكرة النقد" 1995، "الاحتقار الاجتماعي" 2001، "هيغل وفلسفة الطبيعة" 2003، "تجربة الظلم" 2004، "قراءة ماركس" 2009، "ماركس والفلسفة"2014.
النص:
يحسن بنا بدايةً، أن نشير إلى أنه بمقدور إيتيقا الاعتراف L’éthique de la reconnaissance تفسير مختلف جوانب الصراع الذي يخوضه البشر ضد الظلم الاجتماعي. على هذا النحو يظهر لنا على سبيل المثال بأنّ النساء اللواتي يعانين من الظلم الاقتصادي والرمزي يعتقدن أنّ سيطرتهن الرمزية مرتبطة بالمساواة الخاصة بالعمل المدفوع الأجر وعملهن المنزلي. وبطبيعة الحال فإنّ تحرّرن ممكن من خلال المستويين الاقتصادي والرمزي. تبعا لهذا، وبفضل هذا المفهوم الموسع للعدل يمكن أن تفسّر إيتيقا الاعتراف مختلف المعايير المستعملة في الصراعات الاجتماعية والسياسية. حسبنا أن نشير إلى أنّ هذه المعايير متعلقة بأشكال الاعتراف المتميزة التي يمكن أن تكون متطابقة، ولكن ومع ذلك فهي -والحقُ يقال- غير قابلة للاختزال. ولكن، وبفضل هذا المفهوم الموسّع للعدل استطاعت إيتيقا الاعتراف أن تفسر وتبرّر في آن واحد الصراعات الاجتماعية والسياسية من خلال ردها إلى أساسها الأنثربولوجي. وهكذا ومن خلال تحديد مختلف أشكال العلاقة الإيجابية مع الذات، فسرت إيتيقا الاعتراف كيف يؤدي الاحتقار الاجتماعي إلى صراعات اجتماعية فعلية. لذلك لن نجانب الصواب إذا قلنا بأنّ الصراعات الاجتماعية هي صراعات من أجل الاعتراف الذي يهدف إلى تحقيق مطلب العدل الاجتماعي. غير أنّ هذا لا يعني أنّ الوعي بالظلم سيؤدي حتما إلى وقوع صراع اجتماعي. ما من شك في أنّ نكران الاعتراف قد ينتج عنه ضررٌ للشخص، وما يحدثه من مشاعر سلبية كشعور بالإخفاق والخيبة والظلم على المستوى الاجتماعي. والحالُ أنه لا يمكن التخلص من مثل هذه المشاعر السلبية بغية تحقيق مطلب الاعتراف إلا من خلال التمرّد والنضال والمقاومة والصراع. ويمكن أن يُلاحظ في هذا السياق أنّ مقاومة الظلم ليس شرطا كافيا لتحقيق هذا المطلب على المستوى الاجتماعي بل يجب تحقيق جملة من الشروط المؤسساتية والثقافية حتى يؤدي نكران الاعتراف Le déni de reconnaissance إلى مقاومة جماعية منظمة. ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أنه لا ينبغي القول بأنّ الصراعات الاجتماعية والسياسية هي صراعات ناتجة عن مطلب العدل نفسه، وعن التمثّل الصريح لانتهاك معايير العدل أو الاعتقاد بعد قابليته للانتهاك. فمعلومٌ أنّ مصدر الصراعات الاجتماعية يكمن على وجه التحديد في "الشعور" بالظلم حينما لا تكون لهذه الصراعات سوى علاقة ضمنية مع هذه المعايير. وعلى هذا النحو، يمكن أن تصل إلى وعي نواتها المعيارية وإدراك أهدافها ومقاصدها.
وهكذا حينما يتم التعرّف على هذه النواة المعيارية للصراعات الاجتماعية تسهم إيتيقا الاعتراف حينئذ أيضا في تبريرها من خلال مواجهة نقائص هذه الصراعات بصفة عامة، وبذلك يمكنها أن تثبت أنّ هذه الصراعات لا تهدف فقط إلى الدفاع عن مصالح فئوية. ومهما يكن من أمر فهي تملك مضمونا معياريا منسجما ومشروعا. حسبنا أن نشير إلى أنه من غير المجدي أن يتعلق هذا التبرير (أو التسويغ) بتجارب الظلم التي تؤجج هذه الصراعات. وبذلك يمكننا القول بأنّ كل موقف سياسي نقدي يقوم على ربط عنصرين؛ الأول، يتمثل في مجموعة المؤثرات الاحتجاجية (التمرّد على الألم والعذاب الذي نعانيه أو رفض الألم والعذاب الذي يعانيه الآخرون)، أما الثاني، فيتمثل في ذلك العنصر النظري الذي يسمح بتقديم "تبرير" ومنظور "نجاح" لردود الأفعال التي تنتج عن تلك المؤثرات. والحقُ أنّه لا يمكن الفصل بين هذين العنصرين.
Emmanuel Renault, Mépris social. Ethique et politique de la reconnaissance, Paris, Du Passant, 2004, pp 56-57. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.