الرؤية الاستطيقية لثنائية القبيح والجميل؟
تأليف: كارل روزنكرانز
ترجمة: كمال بومنير

النص:
من المعلوم أنّ الجميل يتقوّمُ بذاته، ومن ثمة يمكن أن ينبع من الفن من دون أن تكون له علاقة بشيء آخر، بل ومن دون أن يستند إلى خلفية أوسع منه. أما القبيح –وعلى العكس من ذلك- فلا يمكن أن تكون له مثل هذه الاستقلالية من الناحية الاستطيقية. ووفقا لهذه النظرة، فإنّ القبيح قد يظهر لنا من الناحية التجريبية كشيء منفرد. ولكن بالنظر إلى الجانب الاستطيقي، لا يمكن أن نقّر بأنّ القبيح محدّد أو معيّن من الناحية التجريدية لأنّه ينعكس دائما على الجميل الذي يُعتبر شرطاً لازماً لوجوده. ووفقا لهذه النظرة، يمكننا القول إنّ الجميل يشكل خلفية أساسية للقبيح. وعلى هذا النحو، عندما نقول إنّ وجود القبيح يتوقف على الجميل فهذا لا يعني -بطبيعة الحال- أنّ القبيح قد يستعمل الجميل كوسيلة، فهذا لعمْرِي أمرٌ غير معقول على الإطلاق. ويمكن أن ينبهنا هذا الأمرُ إلى الخطر الذي يتعرض له الجميلُ عبر تنوعاته. لكن ذلك كله لا يمكن أن يصبح الموضوع المباشر والخاص للفن. ومن المهم أن نلاحظ، في أية حال، أنّ الأديان وحدها تستطيع أن تجعل القبيح موضوعا مطلقا، وهذا ما أثبتته فعلا تلك الأوثانُ الشنيعةُ التي عرفتها الشعوبُ البدائيةُ وبعض الطوائف المسيحية. ولعلّنا نذكّر عند هذه النقطة بأنّ القبيح لا يشكل، في حقيقة الأمر، سوى لحظة عابرة فيما يخص الرؤية الكلية للعالم. لذلك، عندما يكون (القبيحُ) متداخلا ومتشابكا مع هذا السياق الواسع فإننا –بكل تأكيد-سنتقبله بل قد نعتبره مثيرا للاهتمام أيضا. والحقيقة ُأنه بمجرد أن نخرجه من هذا السياق يصبح مجرد موضوع متعةٍ جماليةٍ. لننظر على سبيل المثال إلى لوحة "يوم الحساب" للرسّام الهولندي الشهير فان إيك Van Eyck؛ نشاهد في هذه اللوحة جناحا يمثّل هول الجحيم ويأس وقنوط المعذبين وسخرية الشياطين الذين تولوا تعذيبهم. وتوضيح ذلك أنّ الفنّان رسم لوحته انطلاقا من هذا الجناح الذي خصصه لعذاب المذنبين في الجحيم. ولكن ومع ذلك، لم يكن من الممكن أن يرسم الجحيم أو أحد الشياطين الموجودين فيه. إننا، بطبيعة الحال، قد نعزل القبيح لأسباب تعليمية، ويمكن للفنان أن يمثّله بدقة، غير أنه لن يقتنع حقا أنه أبدع عملا فنيا راقيا. والحالُ أنه لا نحتاج إلى كبير تأمل لكي يتبيّن لنا أنّ عزل القبيح يعني الاعتراف بأنه يتمتع بنوع من الاستقلالية المناقضة تماما لمفهوم القبيح ذاته. وفي مقابل ذلك، يمكننا عزل الجميل في فن الرسم حتى عن الطبيعة الصامتة La nature morte.
Karl Rosenkranz, Esthétique du laid. Traduit de l’allemand par Sibylle Muller, Paris, édition Circé, 2004, pp 68-70.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق