أعلان الهيدر

الأحد، 5 أبريل 2020

الرئيسية فيروس كورونا مكسبٌ للكوكب؟

فيروس كورونا مكسبٌ للكوكب؟



فيروس كورونا مكسبٌ للكوكب؟

تأليف: لوك فيري
ترجمة: كمال بومنير


هذه هي الأطروحةُ التي يدافع عنها العديدُ من الايكولوجيين، لاسيما المناهضون منهم للنمو الاقتصادي، ومن تساورهم المخاوفُ بشأن انهيار كوكبنا، والعديد من المهتمين بدراسة مخاطر الدمار. لقد ابتكر الألمانُ منذ فترة طويلة كلمةً لتعيين هذا النوع من الابتهاج الناتج عن الشقاء عندما أثبتت الكوارثُ التي عمت كل أنحاء العالم "أنهم على حق"، وهذا من خلال عبارة " لقد سبق لي أن قلت لكم ذلك"! وهي كلمة Schadenfreude التي تعني "الابتهاج بمصائب الآخرين" طالما أنّ ذلك شرٌ من أجل الخير. وهذا بالضبط ما يحدث لنا اليوم حسب إيكولوجينا الراديكاليين. والحالُ أنّ الاقتصاد سيشهد -من دون شك- أسوأ أزمةٍ في تاريخه منذ عام 1929.وفي هذا المضمار، فإنّ المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي اضطرت لغلق أبوابها أسابيع كاملة، بل وحتى أشهر، أصبحت مهدّدة بالإفلاس. ونتيجة لذلك يتعرض آلاف الأشخاص إلى البطالة. ولذلك، تعلن الحكومةُ أنها ستعمل كل ما بوسعها "مهما كلف الأمر" للدفاع عن صحتنا، ولتتفادى "في الوقت نفسه" الانهيار الذي يلوح في الأفق، من خلال دعم الاقتصاد بواسطة النفقات العامة. والحالُ أنّ الجميع يعلم أو على الأقل يجب أن يعلموا، ما إذا كان مستوى كفاءة الفرنسيين في الاقتصاد غير متدنٍ إلى حد كبير، وأنّ السياسة الكينيزية-الجديدة Néo-keynésienne للانتعاش، لا مفر منها، بل وشرعية، ضمن السياق الحالي. غير أنّ الأمر سينتهي على أية حال بدفع ثمنٍ باهظٍ بالنظر إلى حجم الديون وعجز الميزانية العامة. والملاحظ أنّ معظم مواطنينا الذين كانوا ضحية التضليل الإعلامي الذي مارسته أيديولوجيات اليسار، غير مكترثين بالأمر. والجدير بالذكر بهذا الصدد هو أنهم ما زالوا لم يفهموا أنه سيصيبهم الضررُ إن عاجلا أو آجلا فيما يخص الاستقطاعات الإجبارية والأعباء الاجتماعية، وبالتالي فقدان القدرة التنافسية والبطالة.أما الأيديولوجيون الراديكاليون المناهضون للنمو فإنهم لا يستخفون بالأمر فقط بل تراهم يبتهجون ويغتبطون. وأخيراً خبرٌ مفرحٌ ! كتب أحد المناهضين للنمو الاقتصادي Antoine Buéno في مجلة لكبريس L’Express ليوم 14 مارس، "إنه مكسبٌ غير متوقع للكوكب لأنه عندما يعاني البشرُ، يرتاح الكوكبُ".حسناً دعنا نرى! بحسب حجته، فإن المرحلة الحالية مثيرة للإعجاب لأنها تؤكد لنا أنّ "انخفاض معدّل النمو وحده هو المستدام". والحالُ أننا نستطيع أن نفهم ما بين السطور الأطروحة التي لم يكف الايكولوجييون عن تطويرها منذ تقرير ميدوز Meadows الشهير لعام 1972 حول "حدود النمو": والملاحظ أنّ مفهومي "النمو الأخضر" و"التنمية المستدامة" هما مجرد دجل وتضليل. أو على حد تعبير إيف كوشيه Yves Cochet في حوار صدر عن دار أوديل جاكوب Odile Jacob عام 2011 بعنوان "الخلافات البيئية والاختيارات السياسية: " يمكن أن يؤدي ذلك الحدث القاسي، المتسبب في وقوع العديد من الوفيات، إلى صدمة نفسية حقيقية مثلما فعلت النازية بين 1939-1940 (...). لا أعتقد أنه سيحدث تغييرٌ ما حينما أتقدم للانتخابات ببرنامج مناهضٍ للنمو. فمما لا شك فيه أنّ الأمر لن يكون بهذا الشكل. لذلك يجب أن تحدث كارثةٌ إنسانيةٌ حقيقية". ومن المهم أن نلاحظ، في أية حال، أنّ إيف كوشيه لا يتمنى وقوع هذه الكارثة الإنسانية ، ولكن ومع ذلك، لا يزال يدعو إليها طالما أن الشر وحده يمكن أن يوّلد الخير. والحالُ أنّ هذه "الصدمة النفسية" الشهيرة الضرورية، من وجهة نظره، للتنظيم الضخم للسياسة المناهضة للنمو. والحالُ أنّ هذا ما يحدث اليوم، كما يقول أنطوان بوينو، مع الأزمة الصحية التي تدفع حكومتنا نحو
الاتجاه السليم، أي نحو إيقاف وتيرة النمو. والملاحظ أن من خلال إيقاف كل النشاطات الاقتصادية والتجارية "بغرض تجنب مأساة صحية، نجح إيمانويل ماكرون Emmanuel Macron أخيرًا في تحوله البيئي.إنه لآمرٌ مؤسف أن يتم ذلك بشكل غير متعمد! " ومن وجهة نظر المناهضين للنمو، فإن هذا التفكير، حتى وإن كان لا يطاق من وجهة نظر مديري المؤسسات والليبراليين، هو تفكيرٌ منسجم تمامًا، إذ يرجع إليه الفضل، على الأقل، في طرح الموضوع الحقيقي وفي معالجة الخلاف الايكولوجي الحقيقي الذي اتخذ في نهاية الأمر شكله الحاسم: وفي هذا المضمار، سوف يحتدمُ الخلاف بين أولئك الذين يعتقدون أن انخفاض وتيرة النمو جديرة بالاهتمام وأولئك الذين يعتقدون، على العكس من ذلك، أنها تكتسي طابعا كارثيا في مختلف الجوانب، وبخاصة على المستوى الإيكولوجي. لماذا؟ ببساطة، لأن الابتكار وحده هو الذي يمكن أن ينقذ الكوكب،مادام أننا لا نستطيع أن نمنع الناس من الرغبة في التطور، وكما أوضح شومبيتر Schumpeter، بدون مجتمع تنافسي وبدون سوق حر،لم يكن ولن يكون هناك ابتكار.
Luc Ferry, Le Coronavirus, aubaine pour la Planète? www.lefigaro.fr › Vox ›, 19 Mars 2020.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.