أعلان الهيدر

الأربعاء، 18 ديسمبر 2019

الرئيسية حول أهمية الجمال الطبيعي في فن رسم اللوحات

حول أهمية الجمال الطبيعي في فن رسم اللوحات


حول أهمية الجمال الطبيعي في فن رسم اللوحات

 تأليف: جان أوغيست دومنيك انغرس
ترجمة وتقديم: أ.د/ كمال بومنير


جان أوغيست دومنيك انغرس Jean Auguste Dominique Ingres رسّام فرنسي وُلد عام 1780. تلقى دروسه الأولى في فن الرسم منذ عام 1790 بالأكاديمية الملكية في مدينة تولوز، ثم سافر عام 1797 إلى باريس حيث تعرّف على الرسّام الشهير جاك لويس دافيد Jacques Louis David وتأثر بأسلوبه في الرسم. رسم انغرس عدة لوحات وحصل على إثرها على عدة جوائز. وفي عام 1806 سافر إلى روما قصد رسم بعض اللوحات التي أظهر فيها مهارته في فن الرسم، ثم انتقل عام 1820 إلى مدينة فلورنسا بغرض الاطلاع على أعمال الرسّامين الايطاليين الكبار وخاصة أعمال رفائيل Raphael الذي أثّر في معظم رسّامي عصر النهضة الايطالية. ولما عاد إلى باريس عام 1841 رسم عدة لوحات فنية حققت نجاحا كبيرا، وقد اتسمت هذه اللوحات بتغليب الأحاسيس قصد الوصول إلى الصورة الجمالية بالتوفيق –من الناحية الشكلية- بين الخطوط والألوان. هذا، وقد تركزت معظم لوحات انغرس على رسم صور أشخاص. من أهم لوحاته: "نابليون الأول على العرش الامبراطوري" 1806، "مدام ديفوكاي" 1806، "مدام هوسونفيل" 1845، "امرأة تستحم" 1808، "مولتيدو" 1810، "كورديير"1814، "حلم أوسيان"1813، "مدام دي سينون" 1813، "أمنية لويس الثالث عشر" 1824، "بارتوليني"1820، "المنبع" 1920، "الملحمة" 1852،"جان دارك" 1856.

النص:

ليس من شك أنّه لا يوجد إلا فنٌ واحدٌ فقط، وهو الفن الذي ينبني على الجميل الأبدي والطبيعي. والحقُ أنه من يبحث عنه في موضع آخر قد جانب الصواب حتما. لكن، ما مقصودُ أولئك الفنّانين الذين كانوا يبشرّون باكتشاف "الجديد" في مجال فن الرسم؟ اعتقدُ أنه قد تم تحقيق كل شيء واكتشاف كل شيء فيما يخص هذا الفن. ولعلنا لا نغالي إذا قلنا بأننا لسنا مطالبين بالابتكار بل بمواصلة ما أنجزه الفنّانون الكبار. لدينا أشياء كثيرة يجب أن ننجزها من خلال استعمال– اقتداءً بهؤلاء الفنّانين- هذه الأنواع التي لا تحصى، والتي تقدمها لنا الطبيعة باستمرار، وتعظيمها من خلال هذا الأسلوب الخالص والراسخ الذي لولاه لما كان للعمل الفني أي جمال يُذكر. إنه لشيء سخيف بل ومنافٍ للعقل أن يعتقد المرءُ أنّ الحالات والملكات الطبيعية يمكن تشويهها من خلال دراسة ومحاكاة الأعمال الفنيّة الكلاسيكية ! إنّ النمط الأصل يبقى دوما حاضرا. وما علينا إلا أن نتفحص ذلك حتى نعرف ما إذا كان الكلاسيكيون على صواب أو على خطأ، وما إذا كنا –باستعمال الوسائل نفسها التي استعملوها- نكذب أم نقول الحقيقة. ليس من المجدي الكشف عن شروط ومبادئ الجميل، بل يجب تحقيق هذه المبادئ من دون أن تنسينا رغبة الاختراع. فالجمال الخالص والطبيعي ليس في حاجة إلى المباغتة عبر الجدة. لذلك يكفي أن يكون الجمال هنا متحققا. ولكن ومع ذلك يجب التنبيه، بهذا الصدد، أنّ الإنسان كائنٌ ميّالٌ إلى التغيير ومحّب له دوما. وليس من شك أنّ هذا الميل إلى التغيير في مجال الفن قد يكون في كثير من الأحيان سببا في انحطاطه وتقهقره. والحقُ أنّ دراسة أو تأمل الأعمال الفنيّة الرائعة لا تصلح إلا في جعل جمال الطبيعة أفضل وأسهل تناولا، لا في رفضها؛ فالأصل أنّ الطبيعة هي مصدر كل كمال وإتقان فيما يخص هذه الأعمال. وغنيّ عن البيان أيضا أنّنا نستطيع أن نجد مثل هذا الجمال في الطبيعة الذي يعتبر –بطبيعة الحال-الموضوع الأساسي لفن الرسم. لذا، يجب أن نبحث عن هذا الجمال هنا لا في مكان آخر. أضف إلى ذلك، أنه ليس من الممكن تكوين فكرة عن الجمال مستقل بذاته أو أسمى من جمال الطبيعة. لذلك توجب علينا أن نركز اهتمامنا على الأشياء والموضوعات الموجودة في الواقع الطبيعي. وعلى الفن أن يتعلّم كيف تُحاكى هذه الأشياء. إنّ الجانب الأهم والأساسي في فن الرسم هو معرفة ما هو أجمل وأليق شيء أنتجته الطبيعة في هذا الفن قصد انتقاء ما هو مناسب بحسب الذوق وطريقة إحساس القدامى. 

والحقُ أنه يجب أن نتذكر دوما أنّ الأجزاء التي تؤلف التمثال الأكمل لا يمكن، بصفة جزئية، تجاوز الطبيعة. وعلى هذا، يستحيل أن نرفع أفكارنا ما فوق جمالات هذه الأعمال الفنية. إنّ كل ما نستطيع فعله هو الوصول إلى تجميع هذه الأجزاء، وبعبارة أدق نقول إنّ التماثيل اليونانية مثلا لا تتجاوز الطبيعة إلا لكونها جمعت كل الأجزاء الجميلة التي قلما تجمعها الطبيعةُ في الموضوع نفسه؛ فالفنّان الذي يسلك هذه الطريق سيُتقبل –من دون شك- قبولا حسنا في "محراب" الطبيعة، بل وسينعم أيضا برؤية ولقاء الآلهة. إذ ذاك سيشاهد عظمة فيداس Phidias، ويتعلم اللغة اللائقة ليشارك الناس في ذلك [...] 
حينما يكون الفنّانُ التشكيلي متيقنا من سيره في النهج السليم، متبعا في ذلك خطى أسلافه الذين نالوا بحق شهرة كبيرة، يستطيع حينذاك أن يتمتع بالقدرة على الابتكار والثقة بالنفس المناسبين فعلا لموهبته الحقيقية. لذلك، لا ينبغي أن يحيد عن هذا النهج مهما كان لوم واستنكار الجهلة. فالفنّان على حق ويستطيع أن يقدم للغير دروسا في الذوق. والحالُ أنه كلما كنا متيقنين وأقوياء، كلما لزم علينا أن نكون رفقاء مع المترددين والضعفاء لأنّ الرفق خصلة من الخصال الأساسية التي يجب أن يتحلى بها الفنّان العبقري. ولكن مشكلة الفنّانين الكبار، وهي مشكلة يعرفها الفنانون دون غيرهم، أنهم يشعرون دوما أنّ أعمالهم ليست مقدّرة من طرف الآخرين حق التقدير. إنّ التفاصيل التي تعبّر عن الجودة والإتقان لا يدركها إلا قلة من العارفين والخبراء والمتمرسين في مجال الفن. وبهذا الصدد، نشير إلى أنه "لم يتحقق في العالم-تقريبا- الشيء العظيم إلا من خلال عبقرية وصلابة رجل واحد قاوم بكل ما أوتي من قوة أفكار الجمهور المسبقة" (فولتير). نعم، لو كان العبقري طيبا، فلا بأس بذلك، أما إذا لم يكن كذلك فإلى أي شيء ستصل الأمور؟ بطبيعة الحال إلى البربرية والنفي أو الإنكار اللامعقول للجميل بل وإلى خراب الروح وقسوة القلب والفراغ والهدوء الفظيع لأرض مهجورة. ليس من شك أنّ الزمن جزء من العلاج. فلطالما فاجأتنا أعمالٌ لا معقولة وأظلتنا قرنا من الزمن بسماتها الخاطئة والزائفة، ولكن في الوقت نفسه الباهرة أيضا لأنّ البشر–على العموم- قلما يحكمون على الأشياء بأنفسهم. إنهم يتأثرون بالآراء السائدة. أضف إلى ذلك، أنّ الذوق الخالص نادر مثل الموهبة. الذوق ! لم يعد يكمن في تقدير الحُسن حيثما يظهر بل في التعرّف عليه من خلال العيوب التي تخفيه. والحقُ أنّ البدايات المحتشمة لبعض الفنون قد تكون في بعض الأحيان متقنة أكثر من الفن نفسه. هذا وتجدر الإشارة إلى وجود تماثل كبير حقا بين الذوق السليم والعادات الحسنة خلافا للاعتقاد السائد- لأنّ الذوق السليم إحساس ممتع يمنحنا إياه ما هو طبيعي وما تطوّره التربيةُ الحرة. من المعلوم أنّ الأسلوب المنحط في الفنون، سواء في الرسم أو الشعر أو الموسيقى، ولكنه لا ينال، بطبيعة الحال، سوى إعجاب الجمهور؛ فالأعمال الفنيّة الرائعة لا تؤثر البتة في الجهلة. إنّ الذوق الرقيق والرهيف ثمرة تجربة وخبرة. وبذلك، تكون لدينا –منذ الولادة- ملكة أو قدرة على الإحساس بهذا الذوق وتهذيبه، مثلما تكون لدينا أيضا القدرة على تلقي قوانين المجتمع والامتثال لعاداته. 

الهوامش:

Jean Auguste Dominique Ingres, Ecrits et propos sur l’art. Choix de textes. Présentation et notes de Manuel Jover, Paris, éditions Hermann, 2006, pp 43-44

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.