حول فن الرسم والتلوين
تأليف: كاميل كورو
ترجمة وتقديم: أ. د/ كمال بومنير
وُلد الرسّام الفرنسي كاميل كورو Camille Corot في مدينة باريس عام 1796. انضم عام 1822 إلى مرسم أشيل إتنا ميشالون Achille Etna Michalon الذي تعلّم على يديه مبادئ الفن الكلاسيكي الجديد Néoclassicisme وشجعه على رسم المناظر الطبيعية خارج المراسم. وبعد وفاة معلمه التحق كورو بمرسم جان فيكتور بيرتن Jean Victor Bertin الذي لقنه طريقة رسم المناظر الطبيعية. وفي عام 1825 سافر كورو إلى إيطاليا قصد التعرّف على بعض الرسّامين الايطاليين الذين رفضوا الطابع الأكاديمي في فن الرسم واتبعوا أسلوب الرسم المباشر القائم على مشاهدة المناظر الطبيعية. تأثر كورو أيضا بالنزعة الانطباعية Impressionisme وبرسّاميها الكبار (بول سيزان وجورج سورا وكاميل بيسارو وألفريد سيسلي) الذين أكدوا أهمية الضوء والألوان في رسم الأشياء، لذلك تركزت أعماله الفنية على رسم أشكال الأشخاص والنساء بطريقة مثيرة. هذا، وتوفي كورو في 1875. ومن أهم لوحاته: "كاتدرائية دي شارنير"1830، "قرية أفراي"1835، "ذكريات"1843، "مارييتا"1843، "ميناء لاروشال"1852 "المزينة، التواليت"1859، "مقاطعة القراءة" 1868، "منظر داخلي لكاتدرائية نانت"،1868"الفتاة اليونانية"1869، "فتيات سبارتا"1869، "منظر في جنوة"1834،"صاحبة اللؤلؤة" 1869، "غابة فونتنبلو"1856 "طاحونة سانت نيكولاس"1874، "بركات فيل دافري"1875.
النص:
لا يصح أن ينْظَّمَ إنسانٌ إلى مهنة الفن إلا إذا كان مُغرما بالطبيعة ومستعدا لاقتفاء أثرها بجد. حينئذ لا يكون غرضُه السعي للحصول على المال أو أشياء أخرى. ولكن عليه أن لا ييأس حينما لا يتقبّل الناسُ أعماله تقبلا حسنا. وفي هذه الحالة يجب أن يكون مقتنعا اقتناعا تاما بأهدافه وغير مبالٍ بالعوائق التي تعترض سيره نحو تحقيق هذه الأهداف. ولا يجب أن يتوقف –بطبيعة الحال- عن العمل سواء أثناء الانجاز أو المشاهدة. لذلك، يجب أن يكون ذا وعي منيع يمكنّه من إنجاز أعماله، بحيث قد يبرز عيبٌ ظاهر للعيان، ولكن، ومع ذلك، عليه أن يستمر في عمله ومثابرته ولا يتوقف عن النشاط. والحقُ أنّه لا يمكن للمرء أن يصبح فنّانا بين عشية وضحاها. ولكن، وبمرور الزمن سيقارب الطبيعة. والأهم في كل هذا أن لا ينجز إلا ما يراه أمامه وبالكيفية التي يرى بها الأشياء الموجودة أمامه في الطبيعة. وحتى يدعم ويوطد مسيرته الفنيّة لا بأس أن يلقي بنظرة ويطلّع من حين إلى آخر على أعمال كبار وأحسن الفنّانين (ميكائيل أنجلو Michel-Ange، رفائيل Raphaël ، ليونارد دي فنشي Léonard de Vinci، هولباين Holbein، كوريجيو Corrège، لو تيتيان le Titien، بوسان Poussin، لوسيور Lesueur، كلود لورين،Claude Lorrain ، هوبيمة Hobbema، تيربورغ Terburg ، ميتسو Metzu، كناليتو Canaletto). ليس من شك أنّ استلهام أعمال هؤلاء الفنّانين الكبار قد يساعده (أي الفنّان) على تطوير وسائله. وعلى هذا، من واجبه أن يدرس -أولا وقبل كل شيء- الشكل ثم القيم. واعتقد أنّ دراسة الشكل والقيم هو –بطبيعة الحال- المرتكز الأساسي الجاد في مجال الفن. أما اللون والأداء فهما يضفيان على العمل الفنيّ جمالا وبهاء. هذا، ويبدو لي أنه من الأهمية بمكان تحضير دراسة أو لوحة من خلال تحديد القيم الأكثر وضوحا (إذا افترضنا أنّ اللوحة بيضاء) ومواصلة العمل بإتباع الترتيب بغرض الوصول إلى القيمة الأكثر ضياءً. وبهذه الكيفية ستكون اللوحة الفنيةُ قائمة على ترتيب ونظام. والحقُ أنه لا ينبغي أن يضايق ذلك الرسّام أو الفنّان. لهذا السبب، لا يجب أن يضيّع هذا الأخير الانطباع الأول الذي انفعل أو تأثر فيه بل عليه أن يبحث عن الرسم ثم عن القيم من خلال علاقتها بالأشكال. إنّ هذا هو المرتكز الأساسي في فن الرسم. لذلك، حينما تريدون القيام بدراسة أو برسم لوحة فنية: ابحثوا أولا عن الشكل ثم انتقلوا بعد ذلك إلى القيم [...]يجب أن ننظر إلى الطبيعة بسذاجة ووفق شعورنا الخاص من خلال فك الارتباط الكلي بما تعّلمناه من الفنّانين الكبار سواء القدامى منهم أو المعاصرين. والحقُ أنّ هذا ما سيمكننا من هز الأحاسيس والمشاعر وتحريكها وإثارتها. ولا يخفى على أحد أنّ هناك أناسا يتمتعون حقا بمواهب ولكنهم لا يستغلونها أبدا. يذكرّني هؤلاء الموهوبون بلاعب البلياردو الذي لا يستغل ضربات منافسه المجاملة. ويبدو لي أنه لو كنتُ منافسا لهذا اللاعب لقلتُ له في آخر المطاف: "بما أنّ الأمر كذلك، لن أعطيك شيئا". حينئذ سأنتقم من هؤلاء البؤساء الذين لا يستغلون مواهبهم وسأستبدل قلوبهم بالفلين". والحالُ أنني عندما أبحثُ عن المحاكاة الواعية، لا أتخلى –ولو للحظة واحدة- عن الانفعال الذي أذهلني في المرة الأولى. فالواقع جزء من الفن؛ ومن المعلوم أنّ الشعور يكمّل ويُتّم. وهذا ما يسمح لنا بالقول: "لو كان تأثرنا أو انفعالنا أمرا حقيقيا لأنتقل صدق هذا الانفعال إلى الغير". لقد عرفتُ من خلال الخبرة والممارسة أنه من المفيد أن يشرع الرسّامُ في رسم لوحته على لوحة بيضاء، وأن يكون انطباعه مدوّنا على ورق رمادي أو أبيض قبل الشروع في رسم اللوحة، ثم يشرع في الرسم تدريجيا فينتقل من جزء إلى جزء آخر، وهذا حتى لا يقوم له شيءٌ كبيرٌ بعدما يتم تغطية اللوحة. لقد لاحظتُ بأنّ كل ما تم انجازه للوهلة الأولى كان شكله أجمل. كما أنني لاحظتُ أيضا أنّ الرسّام كان يستغل أحيانا المصادفات وهو يرسم لوحته.أما إذا عاود ذلك فقد يضيع ذلك المزيج من الألوان المتناغمة. إنني عتقد أنّ هذه الوسيلة ناجعة فعلا، وخاصة عند رسم النباتات لأنّ هذا الرسم يتطلب الكثير من العفوية. أما الأجسام الأخرى، والمنظمة بصفة عامة، فهي تتطلب من الرسّام –بطبيعة الحال-دقة متناهية في إنجازها. واعتقد أيضا أنه يجب أن يكون الرسّامُ صارما فيما يخص الرسم وفقا للنموذج الطبيعي، بحيثُ لا يكتفي بمخطط الرسم الأولي الذي أنجزه على استعجال. ولطالما تأسفتُ وأنا انظر إلى لوحاتي لأنه لم تكن لي الشجاعة –والحقُ يقال-لتخصيص مزيد من الوقت في رسمها! إنها تضايقني ولا أجد فيها إلا فكرة غامضة فيما يخص الحالة التي رسمتُ فيها هذه اللوحات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق