الحقوق المدنية، التقدير الاجتماعي ومطلب الاعتراف
تأليف: بول ريكور
ترجمة وتقديم: كمال بومنير
ترجمة وتقديم: كمال بومنير
بول ريكور Paul Ricœur فيلسوف فرنسي معاصر(1913-2005). يُعد أحد أقطاب الفلسفة الفينومينولوجية في فرنسا ومن أبرز الفلاسفة المعاصرين الذين اعتنوا بقضايا التأويل واللغة والرمز وانصب اهتمامهم بشكل أساسي على تأويل النصوص الدينية والفلسفية والأفعال الإنسانية. تطرق بول ريكور إلى موضوع الاعتراف في كتابه الموسوم ﺑــ مسارات الاعتراف في عام 2004 الذي قارب فيه هذا الموضوع من النواحي اللغوية والمعرفية والأنطولوجية ضمن السياقات الأخلاقية والاجتماعية والسياسية التي يندرج فيها هذا المفهوم ، بالإضافة إلى العديد من المفاهيم والمقولات المرتبطة بهذا المفهوم (الهوية، الغيرية، الاعتراف المتبادل، العطاء، التسامح، العفو، الهبة الخ). من أهم أعمال بول ريكور: "فلسفة الإرادة" 1949، "التاريخ والحقيقة" 1955، "صراع التأويلات"1965، "الاستعارة الحية" 1975، "العادل" 1995، "بعد طول تأمل"1995، "الايدولوجيا واليوتوبيا" 1997، "الذاكرة، التاريخ، النسيان" 2003، "مسارات الاعتراف" 2004.
النص:
تكمنُ فكرة الصراع من أجل الاعتراف في صميم العلاقات الاجتماعية الحديثة؛ فمن المعلوم أنّ الأسطورة تمنحُ حالة الطبيعة المنافسةَ وعدم الثقة والتأكيد المتغطرس للمجد المنفرد دور التأسيس والأصل؛ في حرب الكل ضد الكل وحده الخوف من الموت العنيف سوف يسود؛ ليس من شك أنّ هذا التشاؤم المرتبط بمضمون الطبيعة الإنسانية يسير جنباً إلى جنب مع تقريظ السلطة المطلقة لحاكم خارج عقد انقياد المواطنين المتحررين من الذل والخوف. وبذلك يصبح نكران الاعتراف مندرجا في نطاق المؤسسة.والحالُ أنه يمكننا العثور على الملاذ الأول لصالح المبادلة Réciprocité في الطابع البدائي لحرب الكل ضد الكل المتعلق بالحق الطبيعي الذي يتم فيه الاعتراف باحترام متساوٍ لجميع المتعاقدين؛ وبذلك، يعتبر الطابع الأخلاقي للرباط الاجتماعي Le lien social غير قابل للاختزال. وبذلك فإنّ ما يتجاهله القانونُ الطبيعي هو مكانة الصراع فيما يخص تعزيز مطلب المساواة والعدالة، بالإضافة إلى دور السلوكيات السلبية في التحفيز والإذلال والاحتقار، ناهيك عن العنف بمختلف أشكاله الجسدية والنفسية. والحالُ أنّ الصراع من أجل الاعتراف يستمر على عدة مستويات. فهو يبدأ بالعلاقات الوجدانية Relations affectives المتعلقة بنقل الحياة وبالجنس والتناسل التي تحقق ذروتها عند تقاطع العلاقات العمودية لعلم الأنساب والعلاقات الأفقية للرابطة الزوجية ضمن مؤسسة الأسرة. وبذلك، يستمر هذا الصراع من أجل الاعتراف على المستوى القانوني المتعلق بالحقوق المدنية Les droits civils المتمركزة حول الحرية والعدالة والتضامن. ولكن ومع ذلك لا يمكننا المطالبة بهذه الحقوق إن لم يتم الاعتراف بها للآخرين على قدم المساواة. كما أنّ اتساع القدرات الفردية للشخص القانوني غير متعلق بتعداد الحقوق المدنية فحسب، بل يتعلق أيضا بمجال تطبيقه على فئات جديدة من الأفراد وبالقدرات التي تم تهميشها حتى الآن. ليس من شك أنّ هذا الاتساع هو مناسبة لحدوث الصراعات، وخاصة فيما يتعلق بالاستبعاد المرتبط باللامساواة الاجتماعية وبالتمييز الموروث من الماضي والذي لا يزال يؤثر إلى حد اليوم على مختلف الأقليات. ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أنّ الاحتقار والإذلال يلحقان ضررا بالرباط الاجتماعي إلى حد انتهاك الحقوق؛ والحالُ أنّ الأمر هنا متعلقٌ بالتقدير الاجتماعي Estime sociale المرتبط بالقيمة الشخصية وبالقدرة على السعي لتحقيق السعادة بحسب تصور الشخص للحياة الطيبة. ضمن هذا السياق يمكننا القول إنّ الصراع من أجل تحقيق هذا التقدير مرتبط بمختلف مناحي الحياة؛ وهذا ما يتم ضمن صراع المرء من أجل حماية رتبته ضمن تراتبية السلطة، ومن خلال الحصول على سكن وعلاقات الجوار والعديد من اللقاءات التي نسجت في الحياة اليومية. هذا، ومن المعلوم أنّ القدرات الشخصية تتطلب دائما اعتراف الآخرين. لذلك يطرح سؤالٌ بخصوص معرفة ما إذا كان الرباط الاجتماعي لا يتشكل إلا ضمن الصراع من أجل الاعتراف أو ما إذا كان هناك في الأصل نوع من الرفق أو الإحسان مرتبط بالتشابه الموجود بين البشر ضمن العائلة الإنسانية الكبرى.Paul Ricœur , « Devenir capable, être reconnu », Revue Esprit, n° 7, Année 2007, p 126.


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق