أعلان الهيدر

الخميس، 19 ديسمبر 2019

الرئيسية الإحساس بالجميل

الإحساس بالجميل


الإحساس بالجميل

تأليف: ميكيل دوفرين
ترجمة وتقديم: كمال بومنير


ميكيل دوفرين Mikel Dufrenne فيلسوف فرنسي معاصر، ولد في مدينة كليرمون عام 1910 وتوفي في باريس عام 1995. يعد أحد أقطاب ما يسمى ﺑ "الإستطيقا الفينومينولوجية" Esthétique phénoménologique في فرنسا، وهذا تعميقا من جهته لجهود بعض الفلاسفة الفرنسيين الذين تأثروا بالفينومينولوجيا وحاولوا تطبيقها في أعمالهم الفلسفية والأدبية كجان بول سارتر وموريس ميرلوبونتي، كما حاول دوفرين أيضا تطبيقها في حقل الإستطيقا الفينومينولوجية وهذا مباشرة بعد تأثره بالمنهج الفينومينولوجي لأدموند هوسرل. كما أنه تأثر أيضا بأعمال سيغموند فرويد وثيودور أدورنو وغيورغ لوكاتش. هذا، وقد انصب اهتمام دوفرين فيما يخص تطبيق المنهج الفينومينولوجي على دراسة بنية العمل الفني سواء أكان لوحة تشكيلية أو شعرا أو قطعة موسيقية الخ، وهذا بغرض الكشف عن الماهيات أو المعاني من خلال التحليل الفينومينولوجي للخبرة الجمالية وإدراك الموضوع الجمالي بغية معرفة دلالته المضمرة في هذا الموضوع الذي يتأصل فيه العمل الفني. من أهم أعمال دوفرين: "كارل ياسبرس وفلسفة الوجود"1947، "الشخصية القاعدية" 1953،"فينوينولوجيا التجربة الجمالية" 1953، "مفهوم القبلي" 1959،

"الشاعري"1963، "معالم "1966، "الإستطيقا والفلسفة" 1967،"من أجل الإنسان" 1968،"الفن والسياسة" 1974،"العين والأذن" 1987.

النص:

معلومٌ أنّ الجميل ليس فكرة أو نموذجا وإنما هو صفة موجودة في بعض الأشياء الخاصة والمتميّزة التي يمكن إدراكها. والحالُ أنّ هذا الإدراك (حتى وإن تطلب مجهودا تعليميا كبيرا وألفة مع الشيء أو الموضوع المُدرك) يحس مباشرة بكمال الشيء أو الموضوع المُدرك الذي يفرض نفسه بشكل ضروري إلى درجة أنه يتم استبعاد فكرة التنقيح فورا. ولكن، وبالإضافة إلى ذلك، هناك محايثة Immanence كلية لمعنى ما في المحسوس، وإلا فقد الشيءُ أو الموضوع معناه. والحقُ أنّ الشيء الجميل "يكلّمني" ولا يمكن أن يكون جميلا إلا إذا كان حقيقيا. ولكن ماذا يقول لي؟ بكل تأكيد أنه لا يتوجه لا إلى العقل -كما هو عليه حال الموضوع التصوري أو الذهني- ولا إلى الإرادة العملية كما هو عليه حال الموضوع الاعتيادي أو المألوف، ولا حتى إلى الوجدان كالأشياء الممتعة والمحبوبة لدى الإنسان.لذلك فإنّ الأمر هنا يستدعي –من الشيء الجميل- حضور الحساسية La sensibilité حتى تبتهج وتُسّر. والحالُ أنّ المعنى الذي يقدمه ليس تابعا أو خاضعا للتحقّق المنطقي ولا للتحقّق العملي بل يكفي أن نحّس به كشيء حاضر وملّح في وجداننا. علما أنّ هذا المعنى يتمثل في الإحالة أو الإشارة إلى العالم، ولكنه عالمٌ غير قابل للتحديد بلغة الأشياء أو بلغة الأحوال نفسية، كما أنه ليس وعدا بهما، بحيث لا يمكن أن يسمى إلا باسم فاعله أو منتجه (أي الفنان المنتج للجميل): عالم موزارت Mozart أو سيزانCézanne . وهذا على الرغم أنّ هذا العالم الخاص والمتميّز ليس عالما ذاتيا. والحقُ أنّ معيار الصدق الجمالي هنا هو من دون شك الأصالةُ: فحينما يكون الفنانُ المبدعُ ملهَما سيظهر لنا العالم من حيث هو طبيعة طابعة Nature naturante وكأنه يشير إلى شيء ما ويحثنا على الكشف عن جانب من جوانبه لأنه ممكن من ممكنات العالم الحقيقي الذي يعتبر أيضا بالنسبة للبشر عالمهم المعيش Le monde vécu [..]
إذا قلنا عن شيء ما إنه جميل فإننا في هذه الحالة قد أثبتنا حضور إشارة Signe لا يمكن اختزال دلالتها في مفهوم ما، وهذا على الرغم أنها تتطلب ذلك وتحث على بلوغه حينما تحدثنا عن الطبيعة التي تكلّمنا. والحالُ أنّ الذوق يرهف السمع بغية الإنصات إلى هذا الصوت؛ ويكفي أن ينصت إليه -مهما كانت الرسالة- ليحكم بأنّ الموضوع الجمالي Objet esthétique جميلٌ بالفعل. وليس من شك أنه جميل لأنه قد حقّق مصيره بل ولأنه، وبالإضافة إلى ذلك، متوافق –بحسب نمط وجوده-مع الموضوع الحسي الحامل للدلالة. وبهذه الكيفية يدّعي حكمي الخاص الكونية Universalité لأن هذه الأخيرة تشير –بطبيعة الحال- إلى الموضوعية. 


الهوامش:

Mikel Dufrenne, Esthétique et philosophie, tome1, Editions Klincksieck, Paris, 1976, p 24.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.