أعلان الهيدر

الثلاثاء، 17 ديسمبر 2019

الرئيسية من اللامرئية الاجتماعية إلى الاعتراف المتبادل

من اللامرئية الاجتماعية إلى الاعتراف المتبادل




"من اللامرئية الاجتماعية إلى الاعتراف المتبادل"


تأليف: أوليفيي فوارول
ترجمة وتقديم: كمال بومنير


أوليفيي فوارول Olivier Voirol فيلسوف سويسري معاصر، انصبت اهتماماته على الفلسفة الاجتماعية والسياسية والأخلاقية، وعلى النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت على وجه الخصوص. ترجم العديد من أعمال هذه المدرسة الفلسفية إلى اللغة الفرنسية، من بينها كتابين هامين لأكسل هونيث الأول بعنوان "مجتمع الاحتقار" الصادر عام 2006، والثاني بعنوان "العالم الممزق:النظرية النقدية، التحليل النفسي وعلم الاجتماع" . من بين أعماله أيضا: "الاعتراف ونكران الاعتراف: نظرية العنف الرمزي"2004، "المرئية واللامرئية" 2005، "الصراعات من أجل المرئية" 2005، "أكسل هونيث وعلم الاجتماع: الاعتراف والنظرية النقدية في ضوء البحث الاجتماعي" 2007، "الاعتراف والخوف"2011، "عودة إلى مفهوم الصناعة الثقافية"2011، "ما مستقبل النظرية النقدية؟ "2012، "الثقافة والتحرّر" 2013.

النص:

معلومٌ أنّ الاعتراف هو ذلك الموقفُ التذاوتي intersubjectif الذي يمنح قيمةً للشريك في عملية التفاعل بصورة إيجابية . ضمن هذا السياق يعتقد أكسل هونيث أنه يجب أن يُفهم الاعتراف من حيث هو "الطابع النوعي للأشكال المختلفة التي يتخذها موقفٌ عملي يتمثل مقصده الأساسي في تأكيد معين للشريك في عملية التفاعل الاجتماعي". معلومٌ أنّ أكسل هونيث كان قد استند إلى المفهوم الكانطي لـ "الاحترام" Le respect، مشددًا على الأهمية التي تعطى للشريك في عملية التفاعل الاجتماعي قدر المكانة التي أعطيها لنفسي. ضمن هذا السياق يعتقد كانط أنّ الاحترام "يمثّل قيمة تلحق ضررا بحبي لذاتي".والحالُ أنّ هذا ينطوي على كبت ضروري للميل الأناني للذات. ولكن ومع ذلك، فإنّ المرئية La visibilité هي أيضا طريقة لإعطاء قيمة لهذا الشريك، كما أنها وسيلة للتعامل معه كذات كاملة العضوية. وتبعا لذلك فإنّ العلاقة بين هذين المفهومين ضيقة إلى حد ما. وفي هذه الحالة، سيضيع منا كل شيء إذا نحن اكتفينا بالتركيب بين هذين المفهومين. ليس من شك أنّ مفهوم الاعتراف يصف في حقيقة الأمر التأكيد الإيجابي للشركاء ضمن علاقة أخلاقية. وبذلك يتم تركيز مفهوم المرئية على "عملية الظهور" المتبادل للشركاء في التفاعل الذي يتم من خلاله تكوين علاقة الاعتراف حتى تظهر للعيان. بعبارة أخرى، يصف مفهوم الاعتراف العلاقة من خلال التأكيد على مكوّنها الأخلاقي في حين أن مفهوم المرئية يبرز المكوّن الفينومينولوجي لعملية تكوّن هذه العلاقة. ولما كان الاعتراف التذاوتي مستحيلًا دون تكوين مرئية متبادلة للشركاء في عملية التفاعل فإنّ تكوينها يشترط –بطبيعة الحال- تأكيد القيمة التي تجعل شريك التفاعل المرئي مرتبطا بالاعتراف المتبادل La reconnaissance mutuelle. أما في حالة ما إذا أصبح الشخص مرئيًا من خلال الإيماءات التعبيرية والنظرات، فإن تحقيق مطلب الاعتراف لهذا الشخص يقتضي ظهوره الإيجابي في فضاء التفاعل. وإذا كان الأمر كذلك، لزم طلب تأكيده التذاوتي الممتلئ والكامل. لذلك، وكما بيّن ذلك أكسل هونيث نفسه، فإن الاعتراف هو من دون شك مفهوم نوعي يجب ربطه بمختلف المجالات المعيارية. بهذا الصدد، يجدر أن نبدي ملاحظة تعتقد أنها بالأهمية بمكان، وهي أنّ الاعتراف يتطلب مراعاة الحاجات الوجدانية للشخص (الحب) وقدراته العملية الفردية (التضامن) ويتطلب أيضا انتماءه إلى جماعة متساوية في الحقوق(الحق). وفيما يخص هذه النقطة بالذات، يمكن لمفهوم المرئية أن يوفر توضيحا إضافيا، لا سيما من خلال إظهار التباين الذي يميّز المرئية وفقًا لهذه المجالات المتميزة عن الاعتراف. لذلك، كان لا مناص من الانطلاق من مفهوم المرئية الذي سيتم التعبير عنه بشكل مغاير وفقًا للمجالات المعيارية للاعتراف. وبذلك، سيتم ربط مفهوم المرئية بالتطلعات المعيارية المتعلقة بالإيماءات التعبيرية المناسبة الخاصة بأوضاع الفعل والتفاعل التي تتوقعها الذواتُ الاجتماعية بحق من شركائهم في التفاعل. علما أنّ هذه الإيماءات هي التي تعطي للذوات الاجتماعية وجودها في هذا الفضاء الاجتماعي المشترك. وبالتالي، يجب اعتبار رفض المرئية بمثابة رفضٍ للاعتراف ونكران للتطلعات الأخلاقية Attentes morales التي أثيرت بطريقة مشروعة من قبل الذوات المندمجة اجتماعيا. والحالُ أنه يمكننا أن نفترض، على العكس من ذلك تماما، أنّ غياب التطلعات المعيارية Attentes normatives الخاصة لا ينجر عنه لدى الذوات المعنية تجربة اللامرئية. انطلاقا من هذا باستطاعتنا القول بـأنّ هناك بعض الأوضاع اجتماعية لا يكون للمشاركين فيها أي داعٍ لتوقع من شركاءهم في التفاعل عنايةً أو اهتماما. وبذلك، يمكننا أن نشير هنا إلى تلك الأوضاع التي انتظمت وفق الإيماءات التعبيرية الأولية؛ يمكن أن نذكر هنا -على سبيل المثال لا الحصر- ما يسمى بالتنسيق العادي في الفضاء العمومي Espace publicالذي يجعل شركاء التفاعل مرئيين دون أن يأخذ هؤلاء بعين الاعتبار عمقهم العاطفي المتبادل. والحقُ أنّ هؤلاء الشركاء يعرفون تمامًا أنّ في مثل هذه الأوضاع سيكون من العبث التظاهر بالمرئية من خلال الاعتراف الوجداني Reconnaissance affective . لذلك يضبط الشركاءُ أعمالهم بشكل متبادل من خلال جعل أنفسهم مرئيين دون أن تؤدي هذه التبادلات إلى تفاعلات اجتماعية حقيقية. وبذلك، لن يتبادر إلى أذهانهم أن يرفعوا التطلعات المعيارية للمرئية -فيما يتعلق بالإيماءات العاطفية والحميمة- تجاه المشاركين العاديين الآخرين في الفضاء العمومي. بالمقابل، وفي حالة التقارب العاطفي، يُعتبر غياب مثل هذه الإيماءات التعبيرية انتهاكا بيّنا لتلك التطلعات المشروعة للمرئية المرتبطة بهذا الوضع التفاعلي. والحقُ أنّ هذا التشخيص يدفعنا إلى تعميق اعتباراتنا الأولية فيما يخص أشكال اللامرئية الاجتماعية.
Olivier Voirol, « Les formes de l’invisibilité » in La reconnaissance : perspectives critiques. Sous la (dir) de Marie Garrau et Alice Le Goff, éditions de l’université Paris ouest Nanterre, 2009, pp 122-125.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.