أعلان الهيدر

الجمعة، 20 ديسمبر 2019

الرئيسية إدوارد مانيه: نحو أشكال فنية جديدة

إدوارد مانيه: نحو أشكال فنية جديدة


إدوارد مانيه: نحو أشكال فنية جديدة

تأليف: جورج باتاي ترجمة وتقديم: كمال بومنير

جورج باتاي Georges Bataille فيلسوف وأديب فرنسي معاصر، وُلد عام1897 وتوفي في 1962. يُعتبر أحد المشتغلين بموضوعات الجنسانية والحب والموت والدين والشر والجمال، وكانت لقراءاته لأعمال كبار الفلاسفة الألمان( نيتشه وهيدغر وهيغل) في الثلاثينيات من القرن العشرين دورها البارز والحاسم في توجهه الفلسفي ورؤيته للإنسان والعالم والتاريخ وموقفه من الدين واللاهوت، وهذا ما يتجلى في كتابه الموسوم ﺒ "الخلاصة غير اللاهوتية" الذي ألفه لدحض الأسس الدينية واللاهوتية المسيحية. هذا، وقد نالت أعماله الفلسفية والأدبية اهتمام العديد من الفلاسفة والأدباء مثل: ميشيل فوكو وجاك دريدا وجان بودريار ورولان بارث وجوليا كريستيفا. من أهم مؤلفاته: "قصة العين" 1928، "التجربة الباطنية" 1943،"الصغير"1943،"ديرتي" 1945" الجنسانية" 1957، "الأدب والشر" 1957، "دموع إيروس" 1961، "أمي" 1966، "محاكمة جيل دي راسي" 1965، "الموت" 1967، "نظرية الدين" 1973. أما الأعمال التي تضمنت آراءه الفنية والجمالية، وخاصة في مجال فن الرسم يمكن أن نذكر على وجه التحديد كتابه الموسوم ﺒ "مانيه: دراسات بيوغرافية ونقدية" 1955. 

النص:

يُعتبر إدوارد مانيه Edouard Manet من الرسّامين التشكيليين الذين حاولوا إعادة تأسيس نظام جديد للأشكال وبناء عالم جديد. والحقُ أنّ هذا المجهود الذي قام به هذا الرسّام الكبير لهو حساس للغاية عندما يتعلق الأمر برسم اللوحات الفنية، على الرغم أنّ وسائله –حتى وإن بدت لنا كبيرة- لم تمكّنه في حقيقة الأمر من الوصول إلى التحكّم الحقيقي في تشكيل هذا العالم. غير أنه-والحقُ يقال- من غير الممكن التراجع عن الانسجام أو التناغم التوافقي على أفضل وجه مثل ذلك "الموسيقار العجوز" الذي كانت قطعته الموسيقية الكبيرة الأولى ذات قيمة بفضل ما تضمنته من تفاصيل، ولكن ومع ذلك، كانت تعارض تلك الصلابة الطبيعية وتلقائية ذلك العالم الذي نراه من خلال التنسيق المسرحي-المعماري. والحالُ أنه من خلال هذه التفاصيل نفسها يتجلى استقلال كل جزء من الأجزاء عبر بساطة طفل بقبّعة كبيرة فوق رأسه، أو بلباس يرتديه شخص متشرّد. لقد تم إعداد النماذج مثلما يُعّد الممثلون والستار مسدول حيث تسود فوضى بين أجزاء المسرحية المعروضة . لذلك اعتقدُ أنّ الرسّام كان قد طلب بقصد من النماذج الكف عن الحركة أثناء الوضعية أو الهيئة التي اتخذتها هذه النماذج أثناء التصوير. ويبدو أنّ الصدفة قد رتبت ذلك بشكل جزئي على الأقل. تجدر الإشارة أيضا إلى أنّ المرور إلى الفن التوافقي كان من الحقائق الأولى في تاريخ الفن (والتاريخ بصفة عامة)، ولكن ومع ذلك، يفلت منا هذا التاريخ جزئيا، والسبب الرئيسي في ذلك هو أنّه لم يكن تاريخ الفن، وإلى حد اليوم، سوى تاريخ "للأعمال الفنية الجميلة" والفنون الجميلة Beaux-arts. وبمقدورنا القول إنه قلّما اتخذ هذا التاريخ موضوعا له هذا الجانب من الخطأ الذي أصبح من دون شك محسوسا، حيث يتعارض فيه الحاضر مع الماضي. ومما لا شك فيه أنّ شارل بودلير Charles Baudelaire الذي لم يكن سوى شاعر قد عبّر–بصورة استثنائية- عن ذلك التغيّر العميق الذي حاولت لوحات مانيه التعبير عنه. وهنا يجدر بنا في هذا الصدد أن نستشهد ببعض عبارات لإدوارد مانيه، من بينها قوله: "قارنوا بين العصر الحالي والعصور السابقة في لحظة الخروج من صالون العروض الفنية أو من الكنيسة المزيّنة حديثا، واريحوا أبصاركم في متحف قديم ثم حلّلوا الفوارق". وربما كان في وسعنا أن نلاحظ أيضا أنّ في أولهما صخب وشغب وفوض في الأساليب والألوان، وفضلا عن ذلك، في درجة إشراق الألوان، ركاكة كبيرة في الحركات والمواقف، رسم غير أصيل وتافه بمختلف الأشكال، ليس فقط في اللوحات المتجاورة ولكن في اللوحة الواحدة أيضا. لا شك أنّ غياب الوسائل البسيطة والإجراءات المتناقضة لهي صفات أو خصائص مشتركة كلها يمكن التعبير عنها بما يسمى"التقليد الكبير" الذي كان يعرض وحدة الحياة القديمة (المتعلقة بالمجتمع المهيمن على الأقل) بحيث لم تستطع الانشقاقات الأولى توقيفه لأنّ البرجوازية الثائرة قد قبلت في أول الأمر تلك "الأشكال" العظيمة التي كانت تنظم الماضي. وربما كان في وسعنا أن نشير هنا إلى بودلير الذي تحدث عن زمن الانفكاك أو الانشقاق، حيث يرى أنّ "مدارس" الرسم التي ظهرت سابقا هي دليل كافٍ على وجود نظام عظيم ومدهش كان قد ضمن الوحدة وحافظ على التقليد، حيث كتب يقول: "لقد كانت هناك العديد من مدارس الرسم التشكيلية في عهد لويس الخامس عشر، وواحدة فقط في العهد الإمبراطوري (في عهد نابليون )، ولا شك أنّ غياب الثقة والسذاجة لهي رذيلة مميزة حقا لهذا القرن.وربما كان في وسعنا هنا أن نشير إلى أنّ السذاجة باعتبارها تحكما للمزاج في الأسلوب هي هبة ربانية حُرم منها أغلب الناس". لا شك أنّ صلة هذا "العجز" بالأشكال العظيمة التي كانت قد فرضت نفسها على مجتمع ما لم تتبين له بشكل واضح تماما، وهذا على الرغم أنه صاغ مبدأ كل حركة متعلقة بعنصر أساسي كان قد فرض نفسه على الناس لأنّ "هناك قلة فقط لهم الحق في التحكم، علما أنّ عددا قليلا فقط من كان يتمتع فعلا بشغف كبير". ويقول في نص آخر أيضا: "إنّ الوضعية الحالية لفن الرسم الملوّن ليست في واقع الأمر سوى نتيجة لتلك الحرية الفوضوية التي تعظّم من شأن الفرد مهما كان ضعفه". والحقُ أنّ هذه اللوحة معقولة إلى حد بعيد بالنسبة إلينا. ولكن ومع ذلك يجب علينا إبراز المعنى الذي تتضمنه؛ أولا وقبل كل شيء هو ما قدّمه بودلير في العالم نفسه الذي كان يعيش فيه، حيث كتب يقول: "مثل من يدخل اليوم في صنف القردة، حتى الماهرة منها، ليس ولا يمكن أن يكون سوى رسام ضعيف".وما من شك أنّ الرساميْن الكبيرين انغرس Ingres ودولاكروا Delacroix يعتبران استمرارا لذلك "الضعف" الذي كان سائدا حينئذ. ومن جهة أخرى علينا ألاّ ننسى أنّه لم ينكشف عندهما أمرٌ جديد. لقد كانت لوحات هذين الرسمين التشكيلين شبيهة بتلك اللوحات التي رُسمت من قبل. ورغم ذلك بمقدورنا القول بأنّ دولاكروا –والحقُ يقال- قد صرخ أكثر مما يتكلم. أما احتراس أو تحفظ انغرس فقد كان يقرّبه عند الاقتضاء أو اللزوم بما كان يعقبه مباشرة. لذلك كان لزاما علينا أن نقّر بأنّ دولاكروا لم يكن منضويا من جهته في إطار معماري قد يفسد ربما صخب الأشكال. وعلى كل حال لم يظهر في لوحاته شيء ما قد يستجيب فعلا للمشكلة التي طرحها غياب كل مظهر عظيم بغير رجعة. ولا بأس أن نذّكر هنا أيضا بأنّ بودلير قد أعجب كثيرا باللوحات الأولى التي رسمها إدوارد مانيه، غير أنه لم يخصّص دراسة حول أعمال صديقه بعدما هاجر بعد عامين من ذلك إلى بلجيكا، ما عدا رسالة واحدة كان قد أرسلها إليه من بروكسيل.
Georges Bataille, Manet, Paris, éditions d’Art Albert Skira, 1994, pp 28-29.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.