الفنون التشكيلية الجزائرية من 1962 إلى يومنا هذا، ج2
(المرأة والطفل في لوحات إسياخم)
تأليف: مصطفى بوعمامة
ترجمة: كمال بومنير
معلومٌ أنّ محمد إسياخم Mhamed Issiakhem كان قد عبّر من خلال العديد
من اللوحات الفنية التي كانت تُظهر صورا شخصية عن الكثير من الأحاسيس
والانفعالات شديدة التباين، بحيث كان بعضها مؤلما أكثر من الآخر. وما من شك
أنه –كما أقرّ هو نفسه بذلك- قد عانى آلاما كبيرة وهو يرسم هذه اللوحات.
لقد كان يرسم بروح تعذبت كثيرا، رغم أنه كان ينظر إلى الأشياء ويلاحظها مثل
بقية الناس. ولكن ومع ذلك كان يكتشف وينظر إليها وفق رؤيته الباطنية
الخاصة. والحقُ أنّ هذه الرؤية كانت قد مكنته -بطبيعة الحال- من الوصول إلى
فهم اللامرئي. هذا، وبمقدورنا القول بأن إسياخم لم يكتف بالتعبير عن واقع
موضوعي، حتى وإن كان خفيا عنا، ولكنه، وبالإضافة إلى ذلك، كشف لنا عن عالمه
الشخصي، أي عالمه الذاتي، القلق والعاطفي، المليء بالاستهامات والمخاوف بل
وبالشعور بالذنب أحيانا. ولكن ومع ذلك كان يحمل في طياته أملا. وربما كان
في وسعنا أن نقول إنّ اقتحام إسياخم العالم الذاتي قد جعله يشعر بضرورة
ابتكار لغة فنية تصويرية مناسبة سمحت له بالتعبير عن ما عجز عن وصفه
وإظهاره. ولكن وأمام شخوصه، وجد نفسه أمام معضلة وهي: كيف يمكنه أن يكون
وفيا لهذه الشخوص ويبقى صادقا مع نفسه؟ لقد عبّر إسياخم عن ذلك بقوله:
"حيثما يوجد نَفسٌ ثمة دوما فكرة التجريد". فالنَفسُ مرادف للحياة بالنسبة
إليه. وهنا بالذات تكمن رسالة التفاؤل والأمل عند إسياخم. والحالُ أنّ
الحياة في نظره لغزٌ يتعذر فهمه. لهذا السبب كانت اللغة العقلية العميقة هي
وحدها من تدعي إمكانية فهم هذا اللغز الغامض والعصي عن الفهم. وهنا قد
يجدر بنا أن نشير إلى أنه حينما كتب واسيلي كاندنسكي Wassily Kandinsky،
مبتكر ما يُسمى بالفن التجريدي كتابه الموسوم ﺑــ"حول الروحانية في الفن"
كان مدركا تمام الإدراك بأنّ هذا الشكل التعبير التصويري الجديد هو وحده
القادر على رسم عالم خالٍ من الأشكال والمعالم التقليدية، وهو من دون شك
عالم مغاير تماما لواقعنا المبتذل والفظ. من هنا يتضح لنا كيف أنّ الطريقة
الفنية عند إسياخم مماثلة تماما لطريقة كاندنسكي، مع وجود فارق أساسي وهو
أنّ إسياخم اختار لغة تشخيصية خاصة، وهي لغة تركيبية وتلميحية ومجازية.
وفضلا عن ذلك، فهي غنية بالرسومات المجردة المحمّلة بنبرات روحانية ورمزية.
وهكذا،بمقدورنا القول إنّ لوحة "الأرملة" على سبيل المثال لوحة متميّزة
حقا. والعنوان ذاته يحيلنا أولا وقبل كل شيء إلى حالة ترمّل امرأة إلى جانب
ابنها المُمثّل أيضا في هذه اللوحة. ومن الملاحظ أنّ هذا الابن هو إسياخم
نفسه. وربما يلزمنا أن نشير هنا إلى أنّ لهذه المأساة ثلاثة أبعاد: الترمّل
ويُتم الطفل المزدوج. لقد غادر الأب والزوج الحياة، أما الأم التي تخلت عن
ابنها فقد ماتت في نظر هذا الأخير،إذا صح القول. ومع ذلك، فهو موت رمزي
ليس إلا، وذلك لأنّ إسياخم لم يتقبل طول حياته ما صدر من أمه تجاهه. إننا
نلاحظ أنّه موجود في أمامية اللوحة، بين أمه وقدره المشؤوم الذي أصابهما
وفرّق بينهما إلى الأبد. والحقُ أنّ هذه اللوحة عبارة عن جلسة تعويذة. إنه
في نفس الوقت الطفل –الضحية والراشد الحامي، المريض والمعالِج. هذا، ويجدر
بنا أن نشير إلى أنّ هاتين اللوحتين تمثلان ذلك الجانب المجرّد الذي
استشعره إسياخم. أما لوحة "مربع أزرق" فقد رسمها تكريما للرسّام الروسي
كاسيمير مالفيتش Kasimir Malevitch . وربما كان في وسعنا أن نشير هنا إلى
أنّ إسياخم قد ركّز اهتمامه على الشكل في الفن التجريدي. ولكننا لو أنعمنا
النظر في اللوحة الثانية أي "كشف تجويف صدري"، التي رسمها قبل وفاته بقليل
فإننا سنلاحظ أنه حاول إبراز وتبيين المحتوى المترادف مع بحثه الأخروي فيما
يخص معنى الحياة. لذلك بمقدورنا القول إنّ فن الرسم من منظور إسياخم لا
يمثّل مجال ثنائية يتصارع فيها التشخيصُ والتجريدُ بضراوة بل هو مجال متعدد
يسمح بتواجد أكثر من تعبير متباين، أكثر غنى وتنوّع من تشكيلة الألوان
نفسها. وفي نظر إسياخم فإنّ نوعية وأصالة العمل الفني معياران أساسيان في
تحديد حكمنا على هذا العمل. وعلاوة على ذلك، فإنه يعتقد أنّه لا يصح أن
يأخذ العمل الفني طابعا سرديا أو وصفيا. والملاحظ أنّ في إمكان الرسّام
التشخيصي تجاوز الواقع وتحليله أو إعادة تشكيله بغرض عرضه محولا على
المُشاهد. بيد أنّ المنتوج النهائي للبحث المبدع للفنّان ليس تبيينا لما
شاهده ولكنه عمل فني جديد يعيد إنتاج الواقع من خلال واقعية غير مبتذلة
ومشوّهة بل بالأحرى واقعية بمعناها المعاصر والجديد. أما بالنسبة إلى
الرسّام التجريدي، وحتى إن محا تلك العناصر التي تشير إلى الواقع فلا يصح
أن تزل به القدم في العالم اللاشكلي للوحة التي هو بصدد رسمها أو
إبداعها،علما أنّ عدم اكتراثه بواقعه المعيش وبتجربته الحياتية وعالمه
الحقيقي قد يصرفه عن سعيه في الوصول إلى التجريد وبالتالي قد يضل السبيل
فلا يصل إلى مقصده. وبناء عليه، فإنّ الحد الفاصل بين التشخيص والتجريد
سيأخذ من دون شك طابعا نسبيا، بل سيبدو لنا كمجال لحرية الإبداع التي يمكن
أن تضمن وصلا طبيعيا خاليا من التناقض والتنافر بين هاذين الشكلين
التعبيريين. Mustapha Bouamama, Les arts plastiques algériens, de 1962 à aujourd’hui
تحياتي استاذ عمل رائع رغم صعوبة مهمة الترجمة للنصوص دون أن تكون اللغة ،مزيد من الابداع
ردحذف