الفنون التشكيلية الجزائرية من 1962 إلى يومنا هذا (نظرة إجمالية) (ج1)
تأليف: مصطفى بوعمامة
ترجمة: كمال بومنير
عندما حصلت
الجزائر على استقلالها منذ حوالي نصف قرن من الزمن كان مجال الفنون الجميلة
من المقوّمات الأساسية للثقافة الوطنية. والحقُ أنّه منذ بدايات القرن
العشرين وضع بعض الروّاد الأوائل معالم ما سُيطلق عليه لاحقا الفن الجزائري
الحديث. وهنا يجدر بنا في هذا الصدد أن نشير، باختصار شديد، أنّ هؤلاء
الروّاد المبدعين كانوا من دون شك يطمحون إلى تحقيق توافق مع الحداثة من
خلال استيعاب تعاليم الفن والجماليات الأوربية، بالإضافة إلى تقنيات
اللوحات الفنية الصغيرة. وتبعا لذلك فإنّنا سنلاحظ وجود نوع من التقارب بين
التراث والحداثة La modernité أحيانا أو من التأثير المتبادل بينهما.
وربما يلزمنا أن نذكر هنا أنّ في كثير من الأحيان قد يستعمل التراثُ من
جهته قواعد فن الرسم الحديث، كما أنّ الحداثة قد تستمد بدورها مفاهيم ورموز
هوياتية Symboles identitaires من التراث الثقافي. إنّ النص الذي أقدمه هنا ليس دراسة كاملة لفن الرسم التشكيلي للعشرية الأولى بعد الاستقلال الوطني، ولا يتعلق الأمر أيضا بإعداد قاموس أو بعرض قائمة تضم كل الفنانين أو بجرْد كل أعمالهم الفنية، بل بالأحرى،هو مجرد تقديم فلسفة عامة لفن الرسم التشكيلي أثناء هذه الفترة. والحقُ يقال أنّ التفكير في القيام بفحص شامل لموضوع مركّب وممتد عبر هذا الزمن الطويل، من خلال هذه الدراسة المقتضبة، هو من دون شك رهان كبير. ولكن، وقصد تحقيق هذا الغرض كان لزاما علينا القيام بمقاربة تحليلية فيما يخص المحاولة الجمالية الفردية وهذا حينما اتخذ مسارُ الفنان طابعا فرديا ومستقلا أو جماعيا،وعندما اندرجت مسيرته الفنية في تيار من التيارات الفنية. وإذا كان الأمر كذلك، وأمام هذه الصعوبات، فإنّ اختيار الفنانين وأعمالهم الفنية لهو أمر عسير غير يسير. وقد يكون تصنيفهم أحيانا أمرا متعبا حقا. ومع ذلك، قد يكون من نافلة القول أن نقّر بأنّ أسماء بعض الفنّانين الكبار قد تُيسر لنا من دون شك القيام باختيار بعض الأسماء البارزة، وأخص بالذكر هنا على وجه التحديد مْحمد إسياخم Issiakhem وعلي خوجة Ali Khodja ومحمد خدة Mohamed Khadda وشكري مسلي Chokri Messli وآخرين. وفضلا عن ذلك، فإنّ العديد من الفنّانين أقل شهرة من هؤلاء قد فرضوا أنفسهم أيضا من خلال فنهم الأصيل. ولكن مع ذلك يتحتم علينا أن نشير إلى هؤلاء الفنانين بإيجاز نظرا لعدم إمكانية التطرّق إليهم في هذه الدراسة المقتضبة.
بمقدورنا القول إنّ الفضل يعود من دون شك، فيما يخص فن الرسم التشكيلي لفترة ما بعد الاستقلال، إلى بعض الفنانين المرموقين الذين برزوا في الخمسينيات من القرن العشرين. ويتعلق الأمر هنا بكوكبة من الفنانين الموهوبين الذين برزوا أثناء حرب التحرير، وقد كانوا والحقُ يقال الركن الركين للعالم الفني للجزائر المستقلة. وتبعا لذلك، علينا ألاّ ننسى أنّ هؤلاء الفنّانين الموهوبين كانوا يعتقدون بأنّ ما تلقوه من معارف أثناء الفترة الكولونيالية كان مجرد "غنيمة حرب" يمكن تسخيرها في ما يمكن أن يخدم الفن الوطني.غير أنه يجب أن تكون طريقة الأداء متميزة. لقد تلقى هؤلاء الفنّانون تكوينهم ضمن الفن الحديث والمعاصر الفرنسي. وفضلا عن ذلك، كانوا متأثرين بالفن الغربي وبمرجعياته النظرية، ولكن ورغم ذلك حاولوا تجاوز النزاعات والصراعات التي عرفها هذا الفن. لقد كان هؤلاء الفنّانون واعين تماما بأنّ النقل الميكانيكي لمثل هذا الفن إلى المجتمع الجزائري لا يمثل أفضل السبل.إلا أنّ ذلك لم يمنعهم من التفكير في الشروط المُثلى واللازمة لقيام فن رسم جزائري أصيل. وفي هذا السياق رفض إسياخم تلك "النقاشات العقيمة، بل وزيادة على ذلك، ثار وفضح أولئك الذين اكتفوا بنقد وخلق صراعات لم يكن من اللائق أن توجد بالمرة، وخاصة في مجال الفن". وما من شك أنه كان يقصد تلك التناقضات الناتجة عن إشكالية المضمون والشكل أو المفهوم والمنهج المرتبطة حتما بمفهومي الأصالة/الحداثة. وهنا يجدر بنا في هذا الصدد أن نشير إلى أنّ إسياخم كان من المدافعين عن تعدد الاختيارات والقناعات، التي تُعتبر من دون شك شرطا أساسيا لانتعاش الإبداع الفني وتفتقه. وفضلا غن ذلك، كان معارضا للاتسامح ورفْض الآخر لمجرد كونه مخالفا.
ولكن ماذا نلاحظ اليوم؟ الحقُ يقال أنّ الأساليب الأكثر تنوعا متواجدة مع بعضها البعض: الفنون التقليدية والفن الأكاديمي والفن التشخيصي والفن التشخيصي الجديد والفن التجريدي أو شبه التجريدي والفن المفهومي وفن الحدث أو الفن التلقائي، وفن المنشآت أو التنصيبات، والفن الهجين المرتبط بالفيديو والتلفزيون والسينما وفنون المسرح، الخ.
وفضلا عن ذلك، فقد تم التطرق إلى مسألة المضمون والشكل وفق قناعات هؤلاء الفنانين الجزائريين الجمالية والسياسية والإيديولوجية. ولا بأس أن نشير هنا إلى أنّ البعض منهم كانوا ملتزمين بالفعل في حين أنّ البعض الآخر كان يدعو إلى فن متحرّر، وهذا ما جعلهم يستحضرون المبدأ القائل: "الفن من أجل الفن".
Mustapha Bouamama, Les arts plastiques algériens, de 1962 à aujourd’hui, Vue synoptique
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق