أعلان الهيدر

الجمعة، 20 ديسمبر 2019

الرئيسية الفنون الجميلة وماهية الحياة

الفنون الجميلة وماهية الحياة


الفنون الجميلة وماهية الحياة



تأليف: أرثور شوبنهاور
ترجمة وتقديم: كمال بومنير

أرثور شوبنهاور Arthur Schopenhauer فيلسوف ألماني وُلد في 1788 وتوفي عام1860. تقوم فلسفته على رؤية أنطولوجية للعالم تضع الإرادة كمفهوم مركزي لكل تمثّل أو تصور، غير أنّ هذا العالم عبثي ومأساوي ومؤلم في جوهره في نظر شوبنهاور. أثرت هذه الفلسفة في العديد من الفلاسفة والمفكرين، منهم على وجه الخصوص، فريدريش نيتشه وسيغموند فرويد، وفي بعض الاتجاهات الفلسفية المعاصرة، كالوجودية والعدمية والتشاؤمية. من مؤلفاته:"يوميات أسفار" 1804، "في الجذر الرباعي لمبدأ السبب الكافي"1813،"حول الرؤية والألوان" 1816، "العالم كإرادة وكتمثل" 1818، "عن الإرادة في الطبيعة" 1836، "حول حرية الإرادة الإنسانية" 1839، "المشكلتان الأساسيتان في الأخلاق: الحرية والإرادة" 1840، "أساس الأخلاق" 1840، "باررغا وبارليبومينا" 1850. 



النص:

ليست الفلسفة وحدها من يهتم بحل مشكلة الوجود بل إنّ الفنون الجميلةLes beaux-arts تسعى بدورها أيضا إلى تحقيق هذا الغرض لأنّ كل عقل يمارس التأمل الفعلي للعالم تنبعث فيه نزعة –مهما كانت خفية أو لاشعورية –إلى فهم الماهية الحقيقية للأشياء والحياة والوجود على اعتبار أنّ ما يثير اهتمام العقل هي الماهية Essence أي ذلك الموضوع الخالص للمعرفة المتحرّر من غايات الإرادة، علمّا أن ما يثير اهتمام الذات العارفة أو الفرد أيضا هي –بطبيعة الحال- غايات الإرادة التي هي الوحيدة القادرة على تقديم بعض المصالح. فهل ما ينتج عن أي تصور موضوعي خالص، وبالتالي عن كل تصور فنيّ للأشياء، هو تعبير جديد عن الحياة والوجود ؟ إنّ الإجابة على هذا السؤال يقتضي منا القول بأن ّكل عمل فني حقيقي وناجح هو في حد ذاته جوابٌ فعلي عن هذا السؤال، غير أنّ الفنون لا تعبّر عن ذلك إلا بلغة ساذجة وسهلة بواسطة الحدس Intuition لا اللغة المجردة والجدية التي تتم بفعل التأمل. والحقُ أنّ الجواب الذي تقدمه الفنونُ ليس سوى صورة عابرة لا فكرة عامة ودائمة. انطلاقا من هذا يمكننا القول أنه بواسطة الحدس يجيب العمل الفني سواء أكان لوحةً أو قصيدةً شعريةً أو مشهدا دراميا عن هذا السؤال؛ إنّ الموسيقى تقدم بدورها جوابها على اعتبار أنها أعمق بكثير من الفنون الأخرى، وهذا من خلال لغتها المباشرة والمعقولة حتى وإن صعب علينا ترجمتها إلى لغة العقل. والحالُ أنّ الموسيقى تعبّر عن ماهية الحياة كلها بل وعن الوجود كله. أما الفنون الأخرى فهي تقدم أيضا -لمن يسألها– صورة مرئية تقول: "انظر، هذه هي الحياة"! ولكن ومع ذلك، ومهما كانت دقة جوابها، فإنها لا تستطيع –والحقُ يقال-أن تحقق سوى رضا مؤقت وغير كامل أو نهائي لأنّ هذه الفنون لا تقدم سوى شذرة أو مثال لا القاعدة نفسها. ليس من شك أنّ إدراك الجواب الكامل أمر يتعذر تحقيقه إلا عن طريق التصوّر. لذلك كان من واجب الفلسفة الإجابة عن ذلك، أي بواسطة التأمل والتجريد، بحيث تتمكن من الوصول إلى حل دائم ومقنع بخصوص السؤال المطروح. وفي انتظار ذلك، باستطاعتنا أن نلاحظ وجود تقارب بين الفلسفة والفنون الجميلة بل وأن نستنتج أيضا أن لهذين المبحثين أصل واحد. وعلى الجملة، فإنّ كل عمل فني يهدف إلى تبيان ما هي الحياة والأشياء على ما هي عليه في الواقع ولكن بالصورة التي لا يمكن فهمها مباشرة من خلال ستار العوارض الموضوعية والذاتية. وعلى الرغم من هذا، يستطيع الفن أن يمزق هذا الستار. معلومٌ أنّ الأعمال الشعرية والنحت والفنون التشكيلية Arts plastiques على العموم تتضمن، كما يعلم الجميع، كنوزا حِكمية عميقة لأن من خلالها يمكن التعبير عن حكمة طبيعة الأشياء ذاتها بصورة دقيقة وخالصة. والحقُ أنّ هذا الأمر يقتضي أيضًا أن يسهم قارئُ الشعر أو المشاهد المتأمل للعمل الفني بوسائله الخاصة أو الذاتية في سبر أغوار هذه الحكمة لأنه لا يستطيع أن يستوعبها أو يفهمها إلا بالاعتماد على قدراته ومستواه التعليمي. هذا، وبإمكاننا أن تستنتج – على ضوء ما قلناه – بأنّ الفنون تتضمن حكمة، لكن في صورتها الافتراضية أو الضمنية، وأن من مهام الفلسفة تقديم الصورة الراهنة والصريحة عن ذلك. كما أنّ مشاركة المشاهد اللازمة لتحقيق المتعة الجمالية أمر قائم على واقع و هو أنّ العمل الفني يحتاج إلى وسيط " المخيّلة " التي لا يمكن في الحقيقة تجاهلها، لأنها شرط الانطباع الجمالي، وبالتالي فهي قانون أساسي لكل الفنون الجميلة.

الهوامش:

Arthur Schopenhauer, Le monde comme volonté et comme représentation. Tome 3. Traduit par A. Burdeau. Editions Félix Alcan, Paris, 1909, p 216.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.