أعلان الهيدر

السبت، 16 يناير 2021

الرئيسية جماليات العمل الفني

جماليات العمل الفني

 

جماليات العمل الفني


هذه الترجمة مهداة للبروفيسور موسى عبد الله.
"جماليات العمل الفني"
تأليف:روني ماغريت
ترجمة وتقديم: كمال بومنير 

وُلد الرسّام البلجيكي روني ماغريت René Magritte في مدينة لسينز عام 1898 . التحق في 1916 بأكاديمية الفنون الجميلة ببروكسل قصد تعلم مبادئ وأصول فن الرسم. تأثر في مساره الفني بالحركة الانطباعية وروادها الكبار (كاميل كورو، بول سيزان، جورج سورا، غوستاف كوربيه، بول غوغان) . وفي عام 1924 تعرّف على بعض الفنانين الدادائين، غير أنه سرعان ما انظم إلى الحركة الفنيّة السريالية التي اعتمدت غموض الخيال والطابع العبثي واللامعقول والحلم الذي تختفي فيه الصور العقلية والمنطقية للوجود، وخاصة بعد تعرّفه على أعمال بعض ممثليها الكبار، كالرسّام الايطالي الكبير. ولكنه عاد منذ عام 1943 إلى استعمال التقنيات الفنية الانطباعية وهذا ما سمي بالمرحلة الرنوارية (نسبة إلى الرسّام الانطباعي الشهير أوغست رنوار). توفي روني ماغريت عام 1967. ومن أهم أعماله: "اللقاء" 1926، "اكتشاف" 1927، "السارقة" 1927، "سلم النار" 1933، "الوضع الإنساني"1934، "القراءة الممنوعة" 1936، "البسمة" 1943، "الحصاد" 1943، "الفصل الخامس" 1943، "اللقاءات الطبيعية" 1945 "ألف ليلة وليلة" 1946، "الذكاء" 1946، "شرفة مانييه"1949، "إمبراطورة الأنوار" 1950 "العالم اللامرئي" 1954 ،"القالب الأحمر" 1935 "المائدة الكبيرة" 1962، "الفصل الجميل"1963.
النص:
لا تقوم الجمالياتُ على إيجاد حل كامل لمشكلة ما بل تقوم على طبيعة مشكلة خاصة وهي: الفن نفسه. وعلى أية حال فبوسعنا القول إنّ الخطأ الجسيم الذي قد يرتكبه معظم الرسّامين المحدثين هو أنهم يريدون ترسيخ نمط منظر اللوحة بصورة قبلية. في حين أنّ هذا النمط هو بمثابة نتيجة حتمية لشيء تم تشكيله بإتقان عبر وحدة الفكرة الخلاّقة التي تم تجسيدها. أما فيما يتعلّق بالأثر، فالفنّان العبقري الذي لا يملك وسائل التعبير يبقى عقيماً. لذلك يجب أن يعرف الرسّامٌ جيدا الوسائل المادية التي يمتلكها ويستعملها بصرامة وفق قوانينها. وكيفما كان الحال، يجب أن يكون عالما تقنيا، سيد مهنته لا عبدا لها. وتبعا لذلك، تقوم الحقيقة في رأيي على التنظيم واختيار الخطوط والأشكال والألوان التي يمكن أن تثير تلقائيا الإحساس بالجمال، وهذا بسبب وجود اللوحة نفسها. ما يفضي إلى القول بأنه يجب أن يكون الرسّام واعيا، ولا يقبل المشكلات الإضافية التي يمكن أن تلهيه. ويبدو من الأهمية بمكان الإضافة أنّ اللوحة شيء مبني. لذلك يجب أن تكون مبنية بشكل جيد، لأنها تتطلب الدقة والمنطق والاقتصاد والصدق. ونرى لزاماً علينا أن نذكر نقطة أخرى، وهي أنّه لا ينبغي أن يكتفي الرسّام ﺑاستعمال الحد أدنى من الوسائل للحصول على أقصى حد من الأثر. وليس بخافٍ أنّ العديد من الرسّامين يستعملون وسائل لا تثير إحساساً جمالياً بشكل تلقائي، كدراسة الأشكال الخارجية (لتمثيلها بالرسم)، المنظور، الصورة الفوتوغرافية (الرسم الدقيق)، اللون كخداع أو سراب، الاتجاهات التهذيبية، تركيب أو تأليف المشاهد التاريخية والدرامية والهزلية والحزينة، الخ. وعلى أية حال، يقترن ألقُ اللون بالرسم بشكل دقيق، أما التركيب أو التأليف فهو بمثابة اقتصاد للمساحة والتناغم وحياة اللوحة، والفكر الذي ينظم البناء، والتعبير المطابق للفكرة الخلاقة. وعندما تقتضي هذه الأخيرة وجود مسطحات عميقة لتعبيرها المطابق، يجب على الرسّام أن يضحي بالمظهر المسطح للوحة، لأنه لا يرسم ليملأ اللوحة بالألوان مثلما يكتب الشاعر بغية ملأ الصفحة بالكلمات. فمعلومٌ أنّ الرسّام يستخدم موضوعا ويعتبره هدفا يثبت لا محالة أنه غير واعٍ بطبيعة ردود الأفعال التي يثيرها[..]
لا يمكن تقدير القيمة الاجتماعية المحضة لنشاط الفنّان إلا انطلاقا من قيمة ونوعية وجودة نشاطه الخاص. بيد أنه يبدو لي أنّ أهم العوامل التي تسمح بتحقيق ذلك، وبشكل مستقل عن القوة الحيّة للفنّان، يمكن أن نذكر هنا على وجه الخصوص التربية والوسط، وذلك لأنهما يسهمان إسهاما كبيراً في تكوين حكمه تجاه الحياة وآلية فكره بل وآلية فنّه أيضا. وعلى أية حال فإنّ آلية الفكر ليست معروفة بالكامل، لهذا لا يمكن أن نكتفي ، على غرار أصحاب العقول المرتبكة التي تعتقد أنها تعرف ذلك بشكل مؤكد على حد تعبير ديكارت. وهذا على كل حال كافٍ كمرتكز بالنسبة إلى الفنّان، "بإمكان الفكر تخيّل نتائج يتعذر عليه تفسيرها". والجدير بالذكر هنا أنه ليس بمقدورنا "تفسير" شيء ما في أي ميدان لأنّ ما يحل محل التفسير يرجع دائما إلى نقل مشوّه حتما للشيء الذي يجب "تفسيره". وتبعا لذلك، فإنّ "تفسير" التفاحة الموجودة فوق هذه الطاولة مثلا لا يصل إلا إلى بيان مفاهيم خاصة بعلم النبات والثقل. أما "تفسير" دوران الأرض حول الشمس فلن يكون سوى إحصاء الحسابات الفلكية، الخ. والحالُ أنّ ألفاظا مثل "إذن" و"إذا" و"لأنّ" و"فليكن" المستخدمة في اللغة التفسيرية ليست أسماء مستعارة للتفسير بل "كيفيات" أو "طرق" للقول بأنّ هذا الشيء يتطابق إلى حد ما مع هذا، وليس شيئا آخر. والجدير بالذكر بهذا الصدد هو أنّ آلية الفكر قد تكون ربما معروفة حتى في تفاصيلها، بحيث يمكننا أن نتحدث هنا عن "التفسير"، وهذا بطبيعة الحال عندما نستطيع تفسير "التفسير". وليس هذا فقط، بل على الفنّان أن يعرف أيضا كل ما هو ضروري فيما يخص وجهات النظر المتعلقة بهذا الأمر. وفي هذا المضمار، وبالنظر إلى نشاط الفنّان، فإنّ الدرس الأساسي الذي يجب استخلاصه من معرفة آلية الفكر هو أنّ النشاط الفني لشخص ما متوقف على ذكاء الفن والأخلاق و"المزاج القابل للتعديل" والقوة الحيّة للإنسان من حيث هو كذلك، وهذا بقدر ما يسهم في صنع نفسه في الوسط الذي يعيش فيه.
لقد أصبح ذكاء الفن-بالمعنى الذي يسعى فيه هذا الأخير إلى تحقيق هدف أعلى في القرن العشرين- أمرا مدمّرا حتما. ولا غرابة أن يتعارض ذلك مع ذكاء الفن الذي ينحصر في مكاسب الماضي. فمما لا شك فيه أنّ ذكاء الفن الحقيقي لا يقتصر على هذا الرغد الوهمي. ومع ذلك، قد يسمح باسترجاع "الشباب الأبدي" بفضل مجهوده الجريء وبُعد نظره، وهذا بغرض إعطاء مضمون حي ﻟ "مفهوم" الفن، إلى حد أنّ هذا المضمون الحي أصبح غير مبرّر في نظر متذوقي الجمال والنقّاد الحاليين. حسبُنا أن نشير إلى إنّ هذا المضمون يدمج في "مفهوم" الفن البحث عن أحاسيس أقل من الإحساس بالجمال أو من الأحاسيس المرهفة المزعومة للفنّانين. والحالُ أنّ الأمر هنا متعلق بالبحث عن تلك الأحاسيس التي لا تخضع للتسميات والتصنيفات الغامضة التي لازالت سارية المفعول إلى يومنا هذا، وما يُعبّر عنه بالأحاسيس التي "نعجز عن وصفها" و"الثورية" و"اللامتناهية" و"العجيبة" الخ.
لم يعد الفنُ يستعيد–بفضل مضمونه الجديد- القيم العقيمة ﻛ "الدعابة" و"القلق" و"الود" و"الحساسية" و"الموهبة" و"الذوق"، الخ. وعلينا أن نذكّر عند هذه النقطة بأنه حينما تتضمن هذه القيم العقيمة بعض الخصائص أو الصفات تصبح مجرد وسائل بسيطة تسمح للفنّان بإبراز ذكاء الحياة بواسطة اكتشاف المشاعر الحيّة التي يصعب عليه اختزالها في صيغة أو في تحليل عقلي. وعلى أية حال فبوسعنا القول إنّ الإنسان الذي يحاول البحث عن مثل هذه المشاعر يختلف عن "الفنّان" بالمعنى المُتعارف إليه لأنّ "فنه" يعبّر عن نشاط إنساني جديد.
René Magritte, Ecrits complets. Textes établis et annotés par André Blavier, Paris, Flammarion, 2009, pp 174-178.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.