تأملات جمالية حول مقاربة الصورة في الفن الإسلامي" (ج1)
هذه الترجمة مهداة للبروفيسور محمد محسن الزراعي...
"تأملات جمالية حول مقاربة الصورة في الفن الإسلامي" (ج1)
تأليف: فاليري غونزالس
يمكن القول بدايةً أنّ طرح مسألة الصورة في العالم العربي يقتضي منا استحضار الفن الإسلامي الذي فرض نفسه أكثر بقضاياه الجمالية المجردة أو الهندسية من إنتاجه الفني التشخيصي. الأمرُ اللافت بلا شك هو أنّ هذه الخصوصية لم تكف أبدًا عن إثارة مجموعة من المشكلات التي شغلت اهتمامنا وانصب عليها تفكيرنا، فيما يخص الموقف الجمالي الخاص الذي اتخذه الإسلام تجاه التمثيل التصويري ونتائجه على الإبداع الفني الإسلامي، بغض النظر عن تأويل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بخصوص هذا الموضوع. ضمن هذا المنظور، يسعنا القول بأنّ ما يكتسي أهميةً بالغةً حسب أوليغ غرابار Oleg Grabar هو معرفة أنه "في لحظة ما، في القرن الثامن، أفرز التقليدُ الديني الإسلامي معارضةً للتمثيل في الفن الذي لم يكن معروفا في ذلك الوقت" (أوليغ غرابار: "تكوين الفن الإسلامي، باريس، فلاماريون، 1987، ص113). في هذا المضمار، وعلى الرغم أنّ الفن الإسلامي لم يعترف بالصورة كوسيلة تعبير أساسية فإنه –والحقُ يقال-قد منحها دورًا جماليًا ونالت، من دون شك، قبولا واسعا من الناحية الجمالية.
1-دور الصورة في الفن الإسلامي:
إذا كانت فنون الحضارات الكبرى في العالم قد حققت أكبر إنجازاتها، فيما يخص موضوع التمثيل التشخيصي Représentation figurative، فإنه يبدو أنّ رفض هذا النمط من التمثيل قد شكّل المرتكز الأساسي للتطور الفني في الإسلام. وعلى أية حال فبوسعنا القول بأنّ قلق الوعي الديني الذي أشار إليه أوليغ غرابار قد دفع المسلمين بالفعل إلى محاولة الاستغناء عن ذريعة التشخيص بغية إنتاج العمل الفني. فمن المعلوم أنّ التقليد الإسلامي كان يخشى محاكاة واقع العالم، من خلال بعدين أو ثلاثة أبعاد، بغرض إنتاج دلالة رمزية واحتواء معنى خفي كامن وراء الأشكال الظاهرة. وتبعا لذلك، اعتُبرت الخصائص الجمالية غير جديرة بالاستحسان. حسبنا أن نشير إلى أنّ الإسلام قد عمل على تقليص هذه الخصائص التي تميّز الصورة للتحرّر منها ومن سلطتها في عالم الفن.وعلى هذا النحو، وبغية نزع الطابع الهدمي للصورة، فقد خصصها للقيام بوظائف مقيدة بشكل محدّد بالإطار الدنيوي. فمعلومٌ أنّ الزخرفة التصويرية لا تظهر، إلا في حالات نادرة، في فن العمارة والنصوص الدينية. ليس ثمة شك أنّ في حضارةٍ تميّزت بطابعها الديني،لم يكن الأمر سهلا-بالنظر إلى الإمكانات الفنية للصورة- لإفراغها من محتواها المقدس. وإذا كان الأمر كذلك، لم تعد الصورةُ قادرةً على لعب دور المرآة التي يحاول الإنسانُ من خلالها، وهو مشدودٌ نحو الصورة الإلهية، الكشف عن لغز الوجود، وهو من دون شك دور أساسي وضروري لبروز فن عظيم.
Valérie Gonzalez, « Réflexions esthétiques sur l'approche de l'image dans l'art islamique », dans Clément Beaugé (dir), L'Image dans le monde arabe, Paris, CNRS éditions, 1995, p. 69-70.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق