الترجمة بين المشروع الفردي وغياب الإستراتجية
أجرت جريدة النصر حوارا معرفيا مع الدكتور: كمال بومنير
وكانت المساهمة في ملف حول الترجمة بعنوان "الترجمة بين المشروع الفردي وغياب الإستراتجية" المنشور في جريدة النصر، وهذا تزامنا مع اليوم العالمي للترجمة... وبهذه المناسبة أشكر الباحثة والصحفية المتميزة نوارة لحرش على اهتمامها اللافت بالقضايا والمشكلات الفلسفية الراهنة، وأتمنى لها دوام النجاح والتألق والتوفيق...النص:
"اعتقد أنّ مسألة الترجمة في الجزائر موضوع شائك يحتاج إلى نقاش عميق وواسع وجهد فكري يشارك فيه باحثون
وأكاديميون في مختلف التخصصات بغية فهم إشكالاتها واستشراف أفقها
المستقبلية. وبإيجاز شديد أقول إنّ غياب الفكر الاستراتيجي داخل مؤسساتنا
لا يسمح –والحقُ يقال- بالتفكير الجدي والعملي في وضع آليات تسمح بتحقيق
نقلة نوعية في حركة الترجمة في بلادنا. فمما لا شك فيه أن تحقيق هذا الغرض
يتطلب تأسيس وتفعيل هذا الفكر الاستراتيجي الذي أصبح على قدر كبير من
الأهمية وضرورة ملحة سواء في بعده المحلي أو الكوني.
مما لا شك فيه
أنّ وضعية الترجمة في الجزائر لا تختلف كثيرا في بنيتها الكلية أو العامة
عن الوضعية التي تعرفها حركة الترجمة في العديد من البلدان العربية، مع
وجود بعض الفوارق، بالنظر إلى ظروف وطبيعة كل بلد. وعلى العموم هي وضعية
متردية ومتدهورة إلى حد بعيد، تكرس من دون شك وضعا حضاريا وثقافيا بائسا في
بلادنا، في زمن نحتاج فيه إلى تحقيق نقلة نوعية على المستوى المعرفي،
بالنظر إلى التحديات التي تواجهها على جميع المستويات، رغم الجهود التي
تبذلها بعض فرق البحث والمخابر الموجودة في العديد من المؤسسات الجامعية
عبر مختلف ربوع الوطن أو الجهود التي تبذلها بعض دور النشر المهتمة
بالترجمة في الجزائر وراهنت على نشر ترجمات في العديد من الحقول الفكرية،
كالفلسفة والشعر والرواية، على الرغم من افتقارها للوسائل التقنية والمالية
اللازمة. يمكن أن نشير هنا –على سبيل المثال لا الحصر-إلى المجهودات
المعتبرة التي بذلتها منشورات الاختلاف ودار ميم ودار التنوير ودار الأمل
في الحقل الترجمي، التي نشرت-كما هو معلوم- العديد من الكتابات والنصوص
الفلسفية والأدبية المترجمة إلى اللسان العربي. والحقُ أنّ معرفة العوائق
الحقيقية التي أدت إلى هذا التردي والتدهور يتطلب الشروع في القيام بدراسات
جادة يشرف عليها متخصصون ذوو خبرة في الحقل الترجمي لمعرفة هذه العوائق
الكامنة وراء تعثر حركة الترجمة في الجزائر. وعلى أية حال، لا يتسع المجال
هنا لذكر جميع هذه العوائق والصعوبات والعقبات التي أدت إلى تعثر الترجمة،
ولكن أهمها بحسب ما اعتقد هو غياب المؤسسات العلمية المتخصصة في الحقل
الترجمي التي تمتلك الإمكانات المادية والفكرية لوضع إستراتيجية مدروسة
للعمل الترجمي في مختلف التخصصات والحقول المعرفية، وبخاصة فيما يتعلق
باختيار الكتب المراد ترجمتها، وآليات أخذ حقوق ترجمة الأعمال الأجنبية
بالتنسيق مع دور النشر، والدعم المادي للمترجمين، والعمل الترجمي الجماعي
والتنسيق مع المراكز المتخصصة في العمل الترجمي في العالم، وتأسيس جوائز
سنوية لتشجيع الترجمة، الخ. أما الترجمات المتوفرة اليوم في حقلنا المعرفي
وفضائنا الثقافي فهي ترجمات تتم على المستوى الفردي لا المؤسساتي. ويمكن في
هذا السياق أن نشير -على سبيل التمثيل لا الحصر- إلى بعض الأعمال الترجمية
التي أصبحت تحتل الصدارة في مشهدنا الثقافي الوطني نتيجة جهود واشتغال
واهتمام فردي سواء في الحقل الأدبي، كأعمال محمد ساري وعبد الحميد بورايو
وسعيد بوطجين وجيلالي خلاص وعاشور فني، أو في الحقل الفلسفي، كأعمال محمود
يعقوبي ومحمد شوقي الزين وزواوي بغورة ومحمد جديدي وعمر مهيبل وجمال مفرج
وحسين الزاوي ونادية بونفقة وعمارة ناصر".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق