"كيف يمكننا دراسة الجميل؟"
تأليف: فيكتور كوزان
ترجمة وتقديم: كمال بومنير
فيكتور
كوزان Victor
Cousin فيلسوف فرنسي. ولد في مدينة باريس عام 1792 وتوفي في
عام 1867. تميزت فلسفته بطابع روحي وبنزعة انتقائية Eclectisme قامت على دراسة مختلف الأنساق
الفلسفية قصد معرفة جوانب الحق فيها، بغية الوصول إلى نسق فلسفي متكامل يجمع بين
العديد من الفلاسفة (كانط، هيغل، شيلينغ، ديكارت، ليبنتز، الخ) ويوفق أيضا بين
الميتافيزيقا وعلم النفس والعقلانية، ومن ثمة الجمع بين الحق والخير والجميل من
حيث هي أفكار مطلقة تستند إلى أصل إلهي. تأثر فيكتور كوزان أيضا بأعمال الفيلسوف
الفرنسي مين دو بيران، وخاصة بالجانب النفسي الذي تضمنته كتابات هذا الأخير.كما
يعتبر فيكتور كوزان أيضا من أهم مترجمي النصوص الفلسفية اليونانية إلى اللسان
الفرنسي، حيث ترجم الأعمال الفلسفية الكاملة لأفلاطون، وساهم أيضا في ترجمة ونشر
مؤلفات ديكارت وبروكلوس. من أهم مؤلفاته: "شذرات فلسفية" 1826،
"شذرات فلسفية جديدة: دروس في تاريخ الفلسفة" 1828، "تاريخ الفلسفة
في القرن الثامن عشر" 1829، "حول ميتافيزيقا أرسطو"1835،
"دروس في فلسفة الأخلاق" 1840، "دروس في تاريخ الفلسفة
الحديثة" 1841، "دروس في فلسفة كانط" 1842، "مدخل إلى أعمال
الأب أندري" 1846،"شذرات من الفلسفة الديكارتية" 6184، " "محاولات فلسفية" 1855،
"فلسفة جون لوك" 1861، "الفلسفة الحسية في القرن الثامن عشر"
1863.
النص:
يمكننا دراسة الجميل Le beauبطريقتين: إما كشيء خارج عنا، في ذاته،
وفي الأشياء نفسها، مهما كان من يحمل هذه الصفة؛ أو ندرسه كشيء موجود في أذهاننا
وفي ملكاتنا وأفكارنا بالنظر إلى ما يثيره فينا هذا الجميل من أحاسيس ومشاعر. ومن المهمِّ أن
نلاحظ، في أية حال، أنّ أفضل طريقة مألوفة لدينا اليوم تفترض الانطلاق من الإنسان
بغية الوصول إلى الأشياء. لذلك سيكون منطلقنا لتحقيق هذا الغرض هو ودراسة الحالات
النفسية أمام حضور الجميل الذي سيهيئنا -من دون شك- لدراسة الجميل في ذاته ومن
خلال موضوعاته. ليس من شك أنه حينما نكون أمام أشياء ما، وضمن ظروف متنوعة، فإننا
نصدر الحكم القائل بأنّ هذا الشيء جميل. والحقُ أنّ هذه العبارة ليست دائما صريحة؛ ففي بعض الأحيان تظهر هذه العبارة من
خلال صيحة إعجاب، وفي أحيان أخرى قد ترتفع بصمت في ذهن من لم يعيها بصورة كاملة.
وتبعا لذلك، يمكننا القول بأنّ أشكال هذه الظاهرة قد تتنوع، غير أنّ هذا ما تم
التأكد منه بالملاحظة كما هو معلومٌ. وليس من شك أنّ كل اللغات تشهد بذلك
حقا. وعلى هذا النحو، فإنّ الموضوعات الحسية لدى معظم الناس هي التي تثير في أغلب
الأحيان ما يُسمى ﺑــ الحكم الجماليLe
jugement esthétique .واللافتُ للنظر أنّ هذه الموضوعات ليست
وحدها من حظي بهذه الميزة. ولعلّنا نُذكِّر عند هذه النقطة بأنّ مجال الجمال أوسع
بكثير من العالم الفيزيائي الذي نراه ونشاهده، الذي –والحقُ يقال-ليس له من حد سوى
الطبيعة بكاملها والنفس وعبقرية الإنسان. فأمام فعل بطولي، وفي ذكرى تفانٍ وإخلاص،
وحتى أمام الحقائق الأكثر تناغما واتساقا رائعا، والمتسمة ببساطتها وخصوبتها،
وأمام الأعمال الفنية نفسها، باستطاعتنا التعرف، من خلال هذه الموضوعات المتنوعة
والمتباينة، على صفة مشتركة تمكننا من إصدار حكم فيما يخصها، أعني بذلك الجمال.
هذا ومن المعلوم أيضا أنّ فلسفة الإحساسLa philosophie
de la sensation،
وحتى تكون صادقة مع نفسها، كانت قد حاولت-كما هو
معلومٌ- اختزال الجميل في ما يسمى بالممتع. وإنه مهمٌّ في هذا الشأن أن نلاحظ أنّ
الجمال يمتع الحواس في أغلب الأحيان. ووفقا لهذه النظرة، لا يمكن إنكارُ أنّ أغلب
أفكارنا المتعلقة بالجميل تتأتى من حاستي النظر والسمع، كما أنّ كل الفنون –بدون
استثناء- تتوجه إلى النفس والجسد معا. هذا، وتجدر الإشارة إلى أنّ التجربة قد أثبت
بما لا يدع مجالا للشك أنّ كل الأشياء الممتعة لا تبدو لنا جميلة، وأنّ الأشياء
الممتعة ليست حتما هي الأكثر جمالا، وهذا ما يؤكد لنا –بطبيعة الحال- أنّ الممتع
ليس بالضرورة هو الجميل لأنه حتى إذا كان أحدهما مماثلا للآخر فلا يصح الفصل بينهما.
Victor
Cousin, Du vrai, du beau et du bien. Paris, Didier, Librairie Editeur,
1854, p 136.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق