أعلان الهيدر

الخميس، 19 ديسمبر 2019

الرئيسية هل الجمال ذاتي أم موضوعي ؟

هل الجمال ذاتي أم موضوعي ؟


هل الجمال ذاتي أم موضوعي ؟

تأليف: فينتشنزو جيوبرتي ترجمة وتقديم: البروفيسور كمال بومنير

فينتشنزو جيوبرتي Vincenso Gioberti فيلسوف إيطالي، ولد في مدينة تورينو عام 1801 وتوفي في باريس عام 1852. تلقى تعليمه الديني في بداية حياته ليكون قسيسا، وقد تقلد فعلا هذا المنصب عام 1825، ولكن وبعد سنوات قليلة أصبح أستاذا للاهوت في جامعة تورينو، غير أنه ولأسباب سياسية اضطر إلى الهجرة إلى فرنسا وبقي هناك حتى وفاته. في دراسته لمفهوم الجميل استبعد فينتشنزو جيوبرتي المعنى الذاتي والنفعي وما يتعلق بالمتعة وحاول إثبات أنّ الجميل شيء مستقل عن الذات وأنه قائم بذاته في العالم الخارجي، غير أنّ هذا لا يعني أنّ الجميل شيء مادي لأنه صفة مطلقة وتفرض نفسها على الذات التي تتلقاه وتتأثر به. من أهم مؤلفاته الفلسفية والسياسية والتاريخية: "نظرية ما بعد الطبيعة 1838، "حول الخير" 1842، "دراسة في الجميل أو عناصر فلسفة جمالية" 1843، "أهمية الأخلاق المدنية" 1843، "إلى الشعب الفرنسي" 1848، "مدخل إلى دراسة الفلسفةج1" 1845، "مدخل إلى دراسة الفلسفة ج2" 1846، "مدخل إلى دراسة الفلسفة ج3" 1847، "رسالة في المذاهب الفلسفية والسياسية" 1843، "حول واحدية فيكتور كوزان" 1842، "تورينو وسارل ألبير" 1848، " فلسفة الوحي" 1856، "حول إصلاح الكاثوليكية" 1856، "حول أصل الكون" 1857. 


النص:

من المعلوم أنّ الجمال ليس شيئا ذاتيا إذ لو كان كذلك لما استطعنا تمييزه عن النافع أو عن الممتع. لذلك فإنّ الجمال ليس هو النافع على الإطلاق. ولكن ومع ذلك، ومهما حقّق الجمالُ من نفع لمن تملكه فإنّ المتعة التي كان من الممكن أن يحققها ستتناقص حتما بل ستزول حينما يُنظر إلى هذا الجمال أو يُستعمل بالنظر إلى نفعه ليس إلا. والحقُ أننا قد نجد أشياء نافعة ولكنها قد تكون خالية تماما من الجمال، وبالمقابل قد نجد أشياء أخرى جميلة ولكننا قد لا ننتفع بها على الإطلاق. هذا، ويجب أن نشير هنا إلى أنّ النافع يقتضي وجود علاقة فعلية، أو على الأقل ممكنة بين الشيء وحاجاتنا، في حين أنّ الجمال-وعلى العكس من ذلك تماما- مستقل عنا ولا يتقوّم إلا بذاته. إنّ تأمل الجمال يحقّق لنا من دون شك متعةً، ولكن ومع ذلك فهو يستبعد تملك هذا الجمال. ومن يشارك في تحقيق هذه المتعة لا يعتدي إطلاقا على حرية الموضوع الذي يسحره ويبهره، في حين أنّ استعمال الأشياء النافعة قد تهدمها، أو ربما على الأقل، قد تعيق المحافظة على هذه الحرية. أضف إلى ذلك أنّ مادة الشيء الجميل قد تُدرك بحاستي السمع والرؤية فقط، وهما حاستان تحققان -كما هو معلوم- المعرفة ولكن من دون تملك الشيء المعروف. وبالمقابل، فإنّ مادة الشيء النافع –وعلى العكس من ذلك تماما- تقع تحت قبضة حاسة اللمس التي تستولي على الأشياء التي يتملكها ويحتفظ بها. هذا، وبوسعنا أن نطبق بعض من هذه الملاحظات على الممتع من حيث أنه متميّز عن الجمال لأنّ اللذة تقتضي أيضا –كما هو معلوم- علاقة الموضوع بالموجودات الحسية القادرة هي أيضا على التمتع بذلك. وهي علاقة تنفر –بطبيعة الحال- من الماهية المستقلة والمطلقة للجمال.
والحقُ أنه بإمكاننا أن نثبت وجود اختلاف بين الجميل والممتع بالنظر إلى أسباب خاصة؛ فمن المعلوم أنّ الجميل يحقق إعجاب جميع الناس. ولكن ومع ذلك، لا يترتب عن قولنا هذا أنّ كل ما يعجب الناس يتسم دائما بالجمال ولا أنّ درجات التمتع تتماشى دائما مع درجات الجمال عندما ترتبط بموضوع المتعة. لذلك فقد نجد بعض الناس يتمتعون فعلا بذوق رفيع، وحينما يصرحون قائلين بأن شيئا ما جميل وساحر فإنهم قد يفضلون غيره ، وهذا على الرغم أنهم يعلمون علم اليقين أنّ ما اختاروه أقل جمالا من الشيء الذي اعتبروه جميلا. إننا وبحسب تعبيرنا المألوف والاعتيادي قد نطلق صفة الجميل على ما يعجبنا ولكن نظرا لعدم دقة اللغة الشعبية فقد تنال رضا الفيلسوف فقط. هذا، ويجب أن نشير أيضا إلى أنّ المتعة متعلقة بالحساسية فقط في حين أنّ الجميل متعلق بالفكر، على الرغم أنه يتطلب القدرة على الإحساس؛ أما المتعة فهي تؤثر على الحواس الخارجية Les sens externes، أي الحواس المرتبطة بالجسد أو شعور النفس، في حين أنّ الجميل له –بطبيعة الحال-علاقة بالفكر وفق توسط الحواس والمخيلة. 


الهوامش:

Vincenso Gioberti, Essai sur le beau. Eléments de philosophie esthétique. Traduit de l’italien par Joseph Bertinatti. Bruxelles, Librairie Meline, Cans et Compagnie, 1843, p 5.

هناك تعليق واحد:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.