حوار مع الدكتور كمال بومنير- موقع "كوة"
يعد البروفيسور كمال بومنير أحد الأقلام الفلسفية الجادة في العالم العربي، يساهم في إغناء الدرس الفلسفي تأليفا وترجمة. بدأ مشواره الدراسي على يد الأستاذ لخضر بوناب بثانوية ابن رشد حيث قرأ لكارل ماركس وجان بول سارتر وغاستون باشلار وهنري برغسون… والتحق بجامعة الجزائر ودرس الاستطيقيا والفلسفة الألمانية والأمريكية على يد أساتذة جزائريين متخصصين وأنجز أطروحته سنة 2007 بعنوان” مسألة العقلانية التكنولوجية في فلسفة هربرت ماركوز” تحت إشراف الدكتور محمد بلعقروز.
حدثنا البروفيسور في هذا الحوار الذي أنجزه الموقع حول الدرس الفلسفي وعوائق التنوير العربي ووضع اليسار وحركة الإسلام السياسي، ناهيك عن مجال اشتغاله الأول: أي النظرية النقدية، حيث يرى “أنّ مفهوم النقد السائد عندنا يغلب عليه للأسف الشديد الطابع الإيديولوجي ولم يرتق بعد إلى المستوى الفلسفي. وهذا ما يفسر لنا ربما لماذا لا زالت العديد من الدراسات الفلسفية العربية عندنا تترنح بين توجه بعض الباحثين لتراثنا الفكري القديم بغية تفكيكه وتوجه البعض الآخر إلى نقد الحداثة الغربية بغية تسفيهها”. ويروم من اشتغاله بالنظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت الإسهام في تقعيد خط نظري نقدي من داخل النظرية النقدية مستفيدا من جهازها المفاهيمي ومن أفكارها ومقولاتها وتحاليلها، كلبنة جديدة تنضاف إلى ما راكمه باحثون آخرون متخصصون في النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت: محمد نور الدين أفاية ورشيد بوطيب وحسن مصدق ومحمد الأشهب وعبد العالي معزوز ومحسن الخوني وزواوي بغورة…
من كتب البروفسور كمال بومنير نذكر:
“جدل العقلانية في النظرية النقدية لمدرسة “فرانكفورت منشورات الاختلاف والدار العربية للعلوم، بيروت 2010.
“النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، من ماكس هوركهايمر إلى أكسل هونيث”، منشورات الاختلاف والدار العربية للعلوم، بيروت 2010،
“التشيؤ: دراسة في نظرية الاعتراف” لأكسل هونيث (ترجمة وتقديم) دار كنوز الحكمة، الجزائر 2012.
“مدخل إلى قراءة فلسفة فلتر بنيامين” منشورات الاختلاف ودار الآمان 2013
“مقاربات في الخطاب النقدي لمدرسة فرانكفورت: من ماكس هوركهايمر إلى هارتموت روزا” دار الأيام عمان 2015،
“أكسل هونيث فيلسوف الاعتراف” 2016 منشورات منتدى المعارف بيروت،
“دراسات في الفكر النقدي المعاصر: من فلتر بنيامين إلى نانسي فرازر” دار الخلدونية الجزائر،2017.
الجمالية المعاصرة الاتجاهات والرهانات” لمارك جمينيز (ترجمة وتقديم) الدار العربية للعلوم (بيروت) – دار الآمان (الرباط)- منشورات الاختلاف (الجزائر)، 2011،
“قضايا الجماليـة من أصولها القديمة إلى دلالاتها المعاصرة” 2013،
“الألوان والجمال: كتابات الفنانين التشكيليين من ليوناردو دي فنسي إلى سلفادور دالي” دار التنوير، الجزائر 2015،
“الفلاسفة والألوان: مقاربات فلسفية في فن الرسم” عمان، 2016،
“مقاربات في الجماليات المعاصرة”، منشورات الاختلاف (الجزائر)، دار الآمان (المغرب)2017،
“الفلاسفة والأنغام: مقاربات في فن الموسيقى”2018.
نص الحوار:
1 – باعتباركم واحدا من المشتغلين بالفلسفة في الجزائر نود سؤالكم الأستاذ كمال عن البدايات الأولى لولوجك عوالم الفلسفة؟ كيف كانت تلك البدايات؟ وهل لا تزال بعض الكتب أو الأساتذة الذين أثروا فيك وتأثرت بهم؟
أود في البداية أن أشكركم على إتاحة الفرصة لي للحديث في بعض قضايا الشأن الفلسفي في موقعكم المتميّز وأقدّر لكم جهودكم المبذولة وأتمنى لكم النجاح ودوام والتألق. بدايتي الأولى أو “حبي الأول للفلسفة من أول نظرة” Coup de foudre على حد تعبير العشّاق والمحبين، كان أثناء دراستي في السنة الثانية من التعليم الثانوي في مادة اللغة الفرنسية، وبالضبط من خلال دراستنا لبعض النصوص المتسمة بالطابع الفلسفي، وخاصة نصوص كارل ماركس وفردريك إنغلز وجورج فريدمان، الخ .ولكن –والحقُ يقال- لم أبدأ في استيعاب الدرس الفلسفي وأفهم بنوع من العمق بعض من إشكالاته وآلياته وأبعاده إلا بعد بداية دراستنا لمادة الفلسفة في ثانوية ابن رشد على يد أستاذي القدير والمتمكن لخضر بوناب أطال الله في عمره. وأود أن أشير هنا أنّ أهم ما تعلمته منه كيفية طرح الإشكال الفلسفي وطرق التحليل المنهجي جملة الآليات المنطقية والفلسفية المعروفة في مجال تدريس الفلسفة. وبعدما حصلتُ على شهادة البكالوريا التحقت بجامعة الجزائر لدراسة الفلسفة بغية تحقيق حلمي، وهو التخصص فيها والتعمق في دراسة أعمال بعض الفلاسفة الذين تأثرت بهم، إلى درجة أنني قد حفظت بعض أقوالهم حينما كنت أدرس في الثانوي، وأخص بالذكر هنا كارل ماركس وجان بول سارتر وغاستون باشلار وهنري برغسون. هذا، وقد تأثرتُ في الجامعة بالعديد من الأساتذة واستفدتُ أيضا منهم، ويمكن أن أذكر لكم هنا على وجه الخصوص الفيلسوف الجزائري كريبع النبهاني رحمه الله الذي كان له باع طويل في حقل الدراسات الاستطيقية، والدكتور عيسى الثميني المتخصص في الفلسفة الألمانية والمتمكن من اللسان الألماني إلى حد بعيد والبروفيسور محمد بلعزوقي المتخصص في الفلسفة السياسية الأمريكية والمتميّز بتمرسه العميق في فن تقديم الدرس الفلسفي، الذي تكرم عليّ بالإشراف على رسالة الدكتوراه بعنوان” مسألة العقلانية التكنولوجية في فلسفة هربرت ماركوز” التي حصلت عليها بدرجة مشرف جدا عام 2007.
2 –كيف تقارب وضعية تدريس الفلسفة في الجزائر؟ وما هي في نظرك العوائق التي تعترض الدرس الفلسفي في الثانويات العامة وفي الجامعات أيضا؟
إنّ وضعية تدريس الفلسفة في الجزائر لا تختلف كثيرا عن وضعية تدريس هذه المادة المعرفية في باقي البلدان العربية، مع وجود –بطبيعة الحال- بعض الفوارق الطفيفة بين هذه البلدان. وعلى العموم هي وضعية متردية ومتدهورة إلى حد بعيد رغم المجهودات المبذولة. وليس من شك أن ّهناك العديد من العوائق التي يصعب حصرها ونحن نتحدث عن تدريس الفلسفة. والحقُ أنّ معرفة الأسباب الحقيقية يتطلب في رأيي القيام بدراسات جادة يقوم بها متخصصون لمعرفة الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذا الوضع المتردي الذي تعرفه الفلسفة، وخاصة في السنوات الأخيرة بالمقارنة مع وضعها المقبول عموما في الفترات السابقة. لا يتسع المجال هنا لإحصاء جميع الأسباب أو العوائق التي تحول دون نجاح الدرس الفلسفي وتقف حاجزا لتحقيق مقاصده التربوية والبيداغوجية والمعرفية. ويبدو لي أن أهم العوائق تتمثل في الأفكار المسبقة التي يحملها التلاميذ عن الفلسفة والتفلسف متأثرين في ذلك بالآراء السائدة في الثقافة الاجتماعية السائدة التي تنظر إلى الفلسفة نظرة سلبية (تعقيد الفلسفة وصعوبتها، عدم جدواها من الناحية العملية، يمكن أن تؤدي إلى الكفر والإلحاد، الخ..) ومن العوائق أيضا طرق تدريس مادة الفلسفة التي –والحقُ يقال- أصبح -للأسف الشديد- يغلب عليها طابع التلقين لا التفكير، تكريس الجانب التقني على حساب الجانب المعرفي والطرح الإشكالي للموضوعات الفلسفية، بالإضافة إلى بعض الخلل الذي تعرفه كثير من الكتب المدرسية في مادة الفلسفة سواء فيما يتعلق بالملخصات الفلسفية التي تقدم في شكل دروس الموجهة عادة لتحضير الامتحانات التي قلما تحقق الأهداف البيداغوجية والتربوية للدرس الفلسفي أحيانا أو التقديم غير الموفق أحيانا أخرى للنصوص الفلسفية التي كثيرا ما تعاني قلقا في العبارة وسوء الترجمة. ومن بين العوائق أيضا يمكن أنّ نشير إلى بعض الصعوبات المتعلقة بالتأطير المكلف بأداء مهام تدريس مادة الفلسفة التي ترجع بالدرجة الأولى إلى وجود نقائص في التكوين أو عدم القدرة على التحكم بيداغوجيا ومعرفيا ولغويا سواء في التعليم الثانوي أو في الجامعات. والحقُ أنّ هذه النقائص تظهر بشكل خاص في آليات التدريس المعتمدة لدى العديد من المدرسين الذين تخلو في كثير من الأحيان آلياتهم في تدريس هذه المادة الاستراتيجية من الروح النقدية وآليات إستشكال الموضوعات والمسائل والقضايا الفلسفية التي لم تتجذر إلى حد الآن بالقدر الكافي والمطلوب في مدارسنا وجامعاتنا.
3– باعتبارك من المهتمين بالنظرية النقدية وعلى الأخص الفلسفة السياسية المعاصرة مع هابرماس ومنظري مدرسة فرانكفورت: أوسكار نيغت، روزي، نانسي فرايزر، راينر فورست وغيرهم… هل ترى أن وضعنا العربي يستوجب تقعيد خط نظري نقدي من قبيل خط مدرسة فرانكفورت؟ وكيف السبيل إلى ذلك؟ هل هناك ارهاصات تشي بإمكانية تدشين مدرسة نظرية نقدية عربية؟
لقد دأب الباحثون المختصون في النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت على تقسيم مراحل تطورها إلى عدة مراحل أو محطات أساسية، المرحلة الأولى التي تأسست فيها هذه المدرسـة في بداية العشرينيات من القرن السابق عندما تجمّع مجموعة من الباحثيـن وعلى رأسهم ماكس هوركهايمـر وفريدريك بولـوك وفرانز نيومان ثم ثيودور أدورنـو وهربرت ماركوز، الذين يمثلون ما يسمى بالجيل الأول ، أما المرحلة الثانية فقد ضمت كل من يورغن هابرماس وكارل أوتو آبل ألبرشت فيلمر وكلاوس أوفه وأوسكار نيغت، الذين مثلوا الجيل الثاني، في حين أنّ المرحلة الثالثة فقد ضمت أكسل هونـيث ونانسي فرايزر وراينر فورست ، الذين أصبحوا يمثلون ما يسمى بالجيل الثالث، أو حتى ما أصبح يسمى بداية ظهور وتشكل الجيل الرابع مع هارتموت روزا. والجدير بالذكر هنا هو أن مقاربات وتحاليل ومواقف هؤلاء الفلاسفة الذين ينتمون -بطبيعة الحال- إلى مدرسة فلسفية واحدة أي مدرسة فرانكفورت، قد تكون متباينة أحيانا بحكم ما تضمنته من فوارق أساسية فيما يتعلق بتحليل القضايا والمسائل الفلسفية والسياسية والاجتماعية والجمالية، ولكن المتقاربة في كثير من الأحيان، وهذا بحكم انتمائهم إلى تقليد فلسفي يربطهم اهتمام مشترك واحد بالنظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، وما كان يجمعهم على العموم هو أنهم كانوا ينطلقون من وجهة نظر نقدية التي لم يتخل عنها المنتمون إلى هذا التقليد الفلسفي في أي مرحلة من مراحل تطوّر أفكارهم وبغض النظر عن جملة التحولات التاريخية التي عرفها العالم على كل المستويات، وهذا ما يدفعنا إلى القول بأنّ المفهوم المركزي الذي شكل النواة النظرية لهذه المدرسة الفلسفية هو النقد، وهذا ما يظهر جليا في ممارستهم النقدية سواء للمتن الفلسفي أو للعقل الأداتي أو سيطرة الدولة والرأسمالية والحداثة والصناعة الثقافية ولمختلف الأفكار والأحداث التي عرفها عالمنا المعاصر. أما فيما يخص وضعنا العربي فأنا اعتقد أنّ هناك العديد من العيوب والنقائص لازالت تعاني منه الدراسات الفلسفية في عالمنا العربي يتمثل في عدم توصل هذه الدراسات –إلى حد اليوم- إلى تأسيس نظري لمفهوم النقد بمعناه الفلسفي والاجتماعي والسياسي والملتزم في الوقت نفسه بشروطه الابستيمولوجية والمعرفية والإجرائية والواعي أيضا بسياقه ووضعه التاريخي. والحقُ أنّ مفهوم النقد السائد عندنا يغلب عليه للأسف الشديد الطابع الإيديولوجي ولم يرتق بعد إلى المستوى الفلسفي. وهذا ما يفسر لنا ربما لماذا لا زالت العديد من الدراسات الفلسفية العربية عندنا تترنح بين توجه بعض الباحثين لتراثنا الفكري القديم بغية تفكيكه وتوجه البعض الآخر إلى نقد الحداثة الغربية بغية تسفيهها. والحقُ أنّ اشتغالي بالنظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت كان بغرض الإسهام في تقعيد خط نظري نقدي من داخل النظرية النقدية مستفيدا من جهازها المفاهيمي ومن أفكارها ومقولاتها وتحاليلها، ولكن وفي نفس الوقت محاولا بقدر الإمكان الابتعاد في أعمالي وكتاباتي ومداخلاتي عن المنطلقات والخلفيات والأبعاد الإيديولوجية التي طالما أطرت ووجهت العديد من دراساتنا الفلسفية العربية بصورة سلبية وغير مجدية فيما يخص قضايانا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ووضعنا الحضاري و التاريخي. وعلى هذا، اعتقد أنّ أعمالي وكتاباتي (تأليفا وترجمة) المتخصصة في النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، هي بمثابة إسهام في التأسيس للفكر النقدي، ولكن –والحقُ يقال- ليست سوى لبنة جديدة تضاف إلى ما قدمه باحثون آخرون متخصصون في النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، وأخص بالذكر هنا محمد نور الدين أفاية ورشيد بوطيب وحسن مصدق ومحمد الأشهب وعبد العالي معزوز ومحسن الخوني وزواوي بغورة الذين أسهموا من دون شك في ظهور إرهاصات فكرية يمكن أن تمثل في رأيي مؤشرا لتأسيس مدرسة نقدية عربية.
4 – اشتغلت على ترجمة نصوص هابرماس وغيره من فلاسفة مدرسة فرانكفورت، كيف ترى التلقي العربي لهابرماس؟ هل تعتقد أن عودة التدين واكتساح الإسلام السياسي والتيار الاخواني الأممي قد يغير من قواعد اللعبة السياسية في بلداننا؟
اعتقد أن التلقي العربي للنظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت بصفة عامة ولأعمال يورغن هابرماس بخاصة لازال باهتا ومحتشما إلى حد ما سواء في مجال الترجمة أو في مجال الدراسات والبحوث الأكاديمية والمؤلفات المتخصصة في فكر هابرماس، وهذا على الرغم من وجود بعض الأطروحات والرسائل التي أنجزها بعض الباحثين حول فلسفة هابرماس والتي تمت مناقشتها في بعض الجامعات العربية والمغاربية على وجه الخصوص . ويكفي أن نلقي نظرة إلى كتاباته ومصادره الفلسفية لنلحظ أنّ أغلبها غير مترجم إلى اللسان العربي، وهذا على الرغم أنّ هذا الفيلسوف يعد أحد الوجوه الفلسفية البارزة في زمننا هذا. وأوّد أن أشير على سبيل المثال لا الحصر إلى أنّ كتابه العمدة الموسوم ﺑ “نظرية الفعل التواصلي” الصادر عام 1981 والذي يحتوي على ما يقارب 1180 صفحة في أصله الألماني غير مترجم إلى يومنا هذا إلى اللسان العربي. ولا يخفى على أحد أنّ هذا الوضع غير طبيعي ومقلق، الأمر الذي يطرح عدة تساؤلات حول الأسباب المسؤولة عن تخلف الحركة الترجمية في عالمنا العربي والتأخر الملحوظ في التلقي العربي للفكر الفلسفي الهابرماسي والفرنكفورتي وغيرها من المدارس الفلسفية السائدة في العالم. والحقُ أنّ اشتغالي بفلاسفة النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، كما تعلمون، وبمختلف أجيالها (ماكس هوركهايمر، ثيودور أدورنو، هربرت ماركوز، فلتر بنيامين، يورغن هابرماس، أكسل هونيث، هارتموت روزا، الخ) كان بغرض الإسهام في تلقي فكر هذه المدرسة الفلسفية والاستفادة منها في معالجة مشكلاتنا الراهنة. ومع ذلك، ولكي لا نبخس الناس أشيائهم، يجب أن أشير أيضا إلى مجهودات بعض زملائي الباحثين الذين أسهموا بدورهم في هذا التلقي تأليفا وترجمةَ.
5 – نشرتم العديد من الكتب ترجمة وتأليفا ودراسات هل يمكنك أن تعرف القارئ على هذه الأعمال وتوجهاتها العامة وفيما ستفيد الطالب أو الباحث الأكاديمي؟
فيما يتعلق بأعمالي العلمية والأكاديمية المنشورة (تأليفا وترجمةَ)، فقد صدر لي إلى حد اليوم ثلاثة عشر كتابا، البعض منها انصب على دراسات وبحوت متعلقة بالنظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت عبر أجيالها الأربعة المتتالية التي عرفتها عبر مسيرتها التاريخية منذ تأسيسها في عام 1923، ووفقا لتطورها الفكري والفلسفي، منذ ماكس هوركهايمر ممثل الجيل الأول لهذه المدرسة إلى هرتموت روزا الممثل الحالي لما أصبح يُسمى اليوم، في نظر بعض المتخصصين في النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت،بالجيل الرابع، وهذا مرورا بيورغن هابرماس ممثل الجيل الثاني وأكسل هونيث ممثل الجيل الثالث لهذه المدرسة الفلسفية التي أخذت موقعا متميزا في الحقل الفلسفي المعاصر، والتي لم نولها في رأيي حقها من الاهتمام والبحث في دراساتنا الأكاديمية في عالمنا العربي. ولعلي لا أجانب الصواب إن قلت بأنّ ما أنجزتُه بمثابة تمهيد لدراساتٍ وأبحاثٍ أخرى يُمكنها أن تُعرّفنا بأعمال هذه المدْرسة الفلسفية بمزيد من التفصيل، حرصًا مني على ضرورة التعرّف العميق والإلمام الكافي بأفكارها وأطروحاتها، لكن دون أن أدّعي الإحاطة الشاملة بكل القضايا والمسائل والموضوعات التي تناوَلتها النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت منذ الثلاثينيات من القرن العشرين إلى يومنا هذا. لقد صدر لي حتى الآن العديد من الأعمال حول مدرسة فرانكفورت أذكر منها “جدل العقلانية في النظرية النقدية لمدرسة “فرانكفورت منشورات الاختلاف والدار العربية للعلوم،بيروت 2010. “النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، من ماكس هوركهايمر إلى أكسل هونيث”، منشورات الاختلاف والدار العربية للعلوم، بيروت 2010، “التشيؤ: دراسة في نظرية الاعتراف” لأكسل هونيث (ترجمة وتقديم) دار كنوز الحكمة، الجزائر 2012 “مدخل إلى قراءة فلسفة فلتر بنيامين” منشورات الاختلاف ودار الآمان 2013 “مقاربات في الخطاب النقدي لمدرسة فرانكفورت: من ماكس هوركهايمر إلى هارتموت روزا” دار الأيام عمان 2015، “أكسل هونيث فيلسوف الاعتراف” 2016منشورات منتدى المعارف بيروت، “دراسات في الفكر النقدي المعاصر: من فلتر بنيامين إلى نانسي فرازر” دار الخلدونية الجزائر،2017. أما في مجال الدراسات الاستطيقية والفنية التي انشغلت بها كثيرا ورأيت أنها جديرة بالاهتمام والبحث فقد صدرت لي العديد من المؤلفات المتخصصة منها على وجه الخصوص: “الجمالية المعاصرة الاتجاهات والرهانات” لمارك جمينيز (ترجمة وتقديم) الدار العربية للعلوم (بيروت) – دار الآمان (الرباط)- منشورات الاختلاف (الجزائر)، 2011، “قضايا الجماليـة من أصولها القديمة إلى دلالاتها المعاصرة” 2013، “الألوان والجمال: كتابات الفنانين التشكيليين من ليوناردو دي فنسي إلى سلفادور دالي” دار التنوير، الجزائر 2015، “الفلاسفة والألوان: مقاربات فلسفية في فن الرسم” عمان، 2016، “مقاربات في الجماليات المعاصرة”، منشورات الاختلاف (الجزائر)، دار الآمان (المغرب)2017، ” الفلاسفة والأنغام: مقاربات في فن الموسيقى”2018. وأملي أن تسد هذه الكتب بعض النقص الذي تعاني منه مكتباتنا العربية من دراسات وأعمال متخصصة في النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت أو في حقل الجماليات المعاصرة والفنون الجميلة وأن تسهم في إثراء وتعميق النقاش الفلسفي وفي مساعدة الباحثين والطلبة في بحوثهم العلمية والأكاديمية.
6 – كيف تنظرون إلى مستقبل اليسار العربي أمام الموجات الثورية والانتفاضات الجارية؟
اعتقد أن مستقبل اليسار بشكل عام واليسار العربي بصفة خاصة مرتبط بجملة التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمعرفية والتقنية التي يعرفها وسيعرفها العالم لأن هذه التحولات هي التي ستحدد في رأيي مسألة تعديل أو تجديد منظوماته الفكرية ورؤاه ومواقفه الأيديولوجية واستراتيجياته السياسية ومهامه التاريخية وهذا أمر طبيعي وضروري بحكم العلاقة الجدلية القائمة بين النظرية والممارسة، أو بين الفكر والواقع لأنه حينما يتغير الواقع –كما يقول يورغن هابرماس- ولا يتم تعديل النظرية لا تستطيع هذه الأخيرة مواكبة جملة التحولات القائمة و تصبح عاجزة عن مسايرة محددات الواقع التاريخي وبالتالي يمكن أن لا تعي واقعها وتفرز لنا في آخر المطاف وعيا زائفا ومظللا. إنّ الخلل الذي طالما كان يعاني منه اليسار في رأيي يكمن في الأساس، وفي العديد من مراحله التاريخية، في عدم مواكبته الحقيقية والفعلية لجملة التحولات التي عرفها العالم مما أدى إلى انغلاقه أحيانا على ذاته باسم الايدولوجيا والتشكيك في الممارسة النقدية أو بسبب تمسكه برؤى طوباوية فيما يتعلق ببناء مجتمع غير متوجه حقيقةَ إلى المستقبل وفق رهاناته وتحدياته ومستوياته وأبعاده كافة. وإذا كان الأمر كذلك، اعتقد أنه أصبح لزاما على اليسار العربي أن يعيد النظر في بعض مقولاته الفكرية والإيديولوجية وآلياته السياسية التي يمكن أن تسمح بممارسة نقدية حقيقية عميقة للعمليات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والالتزام بوظيفته الأصلية المتمثلة في الدفاع عن الطبقة العاملة والمظلومين والمقهورين والمهمشين لا التنكر لهذه الوظيفة وتجاهلها أحيانا والخوض في بعض المتاهات الفكرية والإيديولوجية التي لا تجدي نفعا على المستوى الاجتماعي والاقتصادي على غرار ما قامت به بعض الأحزاب السياسية المحسوبة على اليسار في بعض البلدان العربية التي تخلت عن وظيفتها الأصلية وراحت تشن حربا على ثقافة وقيم مجتمعها متجاهلة دورها التاريخي الحقيقي ووظيفتها الاجتماعية الأصلية المتمثلة كما أشرتَ إلى ذلك في الدفاع الطبقة العاملة والفئات الاجتماعية الهشة بغية تحقيق مطالبها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية حتى تتجاوز وضعها البائس وتتخطى مختلف أشكال الاستغلال والتهميش ونكران الاعتراف والظلم الاجتماعي والاقتصادي والعنف الرمزي والاحتقار والإذلال في ظل التزايد الرهيب والمستمر لتحكم الليبرالية الجديدة والرأسمالية المتوحشة والعولمة.
من أرشيف الدكتور كمال بومنير:
“حول جمال اللوحة الفنية” تأليف: أندي وارول

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق