حول مفهوم الجمال
تأليف: جان لوك نانسي
ترجمة وتقديم: أ.د/ كمال بومنير
جان لوك نانسي Jean-Luc Nancy فيلسوف فرنسي معاصر، وُلد بمدينة بوردو عام 1940. كان في بدايته الفكرية متأثرا بالفكر اللاهوتي، ولكنه وبعد اطلاعه على أعمال جاك دريدا ولويس ألتوسر وجيل دولوز وهيدغر وهيغل وموريس بلانشو اتجه إلى تأسيس فلسفة قريبة من تيار ما بعد الحداثة Postmodernité الذي ساد الحقل الفلسفي في الثمانينيات من القرن العشرين. اهتم جان لوك نانسي في الحقل الجمالي والفني بمسألة الجمال وما يخص ذاتية أو كونية هذا المفهوم وأبعاده الاجتماعية ودلالاته الإنسانية. من أهم مؤلفاته : "نسيان الفلسفة" 1986، "تجربة الحرية" 1988، "الفكر النهائي" 1990، "معنى العالم" 1993، "نظرة البورتريه" 2000، "في الإنصات" 2002، "خلق العالم أو العولمة" 2002، "الجمال" 2009، "هوية" 2010، "في أي عوالم نحن نعيش"2011، "الفيلسوف الأعرج" 2014.
"إنّ الأمر هنا متعلقٌ بالجمال في ذاته لا بالشيء الجميل، وهذا حينما نقول في تعبيرنا الشائع "ما أجمل هذا الشيء !" سواء تعلق الأمر هنا بامرأة جميلة أو رجل جميل. والحقُ أننا حينما نقول "ما أجمل هذا الشيء!" فإنّ الأمر متعلق –بطبيعة الحال-"بجمال خاص" قد تكون له علاقة بالجمال. ولكننا –والحقُ يقال- لم نتحدث بعد عن هذا الجمال. ويمكننا أن نتحدث أيضا عن الجمال حينما نقول "ما أجمل هذا الشيء!". على سبيل المثال كنتُ قد زرتُ متحف اللوفرLouvre ، وشاهدتُ هناك لوحة الجيوكندا La Joconde لذلك يمكنني أن أقول هنا إنّ جمال هذه اللوحة يحبس الأنفاس حقا. والحالُ أنّ قولنا "هذا شيء جميل" مجرد خصوصية تميز اللسان الفرنسي بغرض القول إن ذلك الشيء الجميل يشارك في الجمال ولكنه ليس الجمال ذاته. وهكذا، فإنّ الشيء الجميل يجسد ويمثّل أو يُظهر لنا شيئا من الجمال. ولكن هذا لا يُظهر لنا حقا الجمال نفسه. لذلك، وحتى نستطيع أن نقول على سبيل المثال إنّ هذا الشخص جميل أو أنّ شيئا ما جميل يجب أن تكون لدينا فكرة ما عن الجمال ذاته أو بالأحرى عن ما يسمى بالجمال المطلقBeauté absolue . وهذا ما أوّد التطرق إليه هنا. والحقُ أنّ كلنا يعرف شيئا ما عن الجمال المطلق؛ وباختصار شديد جدا أقول بأنّ كلنا يعرف أنّ الجمال المطلق ليس جمالا يتجاوزنا ولا يستطيع أي شخص بلوغه أو تمثله أو تحقيقه بل هو شيء يمكن أن يظهر أو ينكشف كجمال ثم كجمال آخر وجمال آخر أيضا. لذلك نستطيع القول بأنّ الجمال المطلق قد يظهر وينكشف عبر العديد من الأشياء الجميلة وعبر العديد من الكائنات الجميلة أيضا، حتى وإن لم نستطع القول بأنّ هذا الشيء أو هذه اللوحة الفنية أو هذه القطعة الموسيقية هي الجمال في ذاته. بل نحن نعرف أيضا أننا لا نتحدث هنا عن شيء جميل إلا لكوننا نعرف ما هو الجمال. قد لا يصدِّقُ البعض مثل هذا الكلام، نظرا لأننا لا نعرف ما هو الجمال، ولأنّ هذا الأخير نسبي، كما أنّ لكل منا تعريفه الخاص للجمال، وأنّ ما يراه شخصٌ ما جميلا قد لا يراه شخصٌ آخر كذلك، أو ما نعتقد أنه جميل اليوم ليس كذلك غدا، أو ما هو جميل في الصين ليس جميلا في إفريقيا أو في أوربا. وليس من شك أنّ هذا ليس صحيحا على الإطلاق لأننا نعرف –بطبيعة الحال- ما هو الجمال. سأحاول أن أثبت لكم أنّ كلنا يعرف ذلك حقا؛ الواقع أنه حينما نتحدث عن الجمال أو عن شيء من هذا القبيل، فإنّ الأمر هنا لا يتعلق بذوق كل واحد منا. وفي هذه الحالة، لن نتحدث أصلا عن الجمال، بل لن تكون لدينا أي فكرة عن الجمال. والحقُ أنّ الجمال مسألة جدية للغاية؛ أولا وقبل كل شيء، كل واحد منا لديه معرفة غامضة ومبهمة لأن مجرد الحديث عن الجمال لا يخص فقط تلك المعرفة المتعلقة بالأذواق والأمزجة. والحال أنّ هناك شيئا ما يكون متعلقا بكل تأكيد بالجمال، ولكن -وفي الوقت نفسه- نعلم علم اليقين أنّ الجمال المطلق ليس موجودا بالفعل في مكان ما، فهو ليس موجودا مثلا في الجيوكندا La Joconde ولا في تمثال "أبو الهول" Sphinx بالأهرامات المصرية ولا في تمثال إفريقي، ولا في السيمفونية التاسعة لبيتهوفن Beethoven ولا حتى في معزوفة بوليرو Boléro لرافيل Ravel" .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق