مشكلة التغير الاجتماعي في المجتمع التكنولوجي

مشكلة التغير الاجتماعي في المجتمع التكنولوجي

 ترجمة: كمال بومنير

لقد أصبحت العمليات التكنولوجية التي رسخت نظام المكننة والتنميط الاقتصادي تتجه اليوم نحو القضاء على الاستقلالية الفردية في مجال واسع. والحالُ أنه يمكننا أن نتحدث عن الإنسان باعتباره فردا حينما يتم إلغاء عالم-العمل الآلي. في هذه الحالة يمكن أن تصبح حريته حكما ذاتيا لا تخضع فيه لجهاز الإنتاج والتوزيع. حينئذ يمكن تحقيق هذا الغرض ضمن إطار الحضارة المتقدمة صناعيا. غير أنّ الاتجاه المخالف تماما لهذا الغرض هو الاتجاه السائد اليوم؛ لقد أصبح الجهاز التقني يفرض مقتضياته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على أوقات عمل وفراغ الإنسان نفسه بل وعلى الثقافة المادية والثقافة الذهنية أيضا. لقد أصبح المجتمع الصناعي المعاصر يميل اليوم –بفضل تنظيم قاعدته التكنولوجية- إلى التحوّل إلى مجتمع شمولي Totalitaire. وليس بخافٍ أنّ هذا الطابع الشمولي ليس فقط ترتيبا أو تنسيقا سياسيا إرهابيا ولكن، وبالإضافة إلى ذلك، هو ترتيب أو تنسيق اقتصادي-تقني غير إرهابي يُدار عن طريق التحكم في الحاجات وفق حقوق مكتسبة، بحيث تُستبعد في ذلك بروز معارضة فعالة ضد الكل المنظم وفق منطق المصالح . غير أنه ليس شكلا خاصا من الحكومة أو سلطة حزب التي تسعى لتحقيق نظام شمولي، وإنما هو أيضا نظام خاص للإنتاج والتوزيع المتوافق مع "التعددية" الحزبية وحرية الصحافة والقوى "التعويضية"، الخ. لقد أصبحت القوة السياسية في العصر الحالي، تتأكد عبر قوة سير الآلة التي تحوّل المجموع التقني لجهاز الإنتاج. لذلك ،لقد أصبح من الممكن أن تحافظ الحكومة في المجتمعات المتطورة صناعيا، أو التي هي في طريق التطوّر، على تواجدها إذا تمكنت من تجنيد وتنظيم واستغلال الإنتاجية التقنية والعلمية والميكانيكية المتاحة للحضارة الصناعية. علما أنّ هذه الإنتاجية تتجه اليوم نحو توريط المجتمع برمته، بغض النظر عن المصالح الفردية أو الجماعية. والحقُ أنّ القوة المادية التي تتمتع بها الآلة أصبحت تتجاوز قوة الفرد أو مجموعة من الأفراد. لذلك، يمكن أن تتحوّل (الآلة) إلى أداة سياسية الأكثر فعالية في كل مجتمع يقوم تنظيمه القاعدي على عمل وسير الآلة. ولكن وفي الوقت نفسه، يمكن قلب هذا التوّجه السياسي لأنّ قوة الآلة ليست إلا قوة مكدّسة.

Herbert Marcuse, Le problème du changement social dans la société technologique, traduit par Fabien Ollier, Paris, Hommisphères, 2007, p 159