أعلان الهيدر

الجمعة، 20 ديسمبر 2019

الرئيسية حول فن بول سيزان

حول فن بول سيزان



حول فن بول سيزان


تأليف: أرثور دونتو ترجمة وتقديم:كمال بومنير

أرثور دونتو Arthur Danto فيلسوف أمريكي معاصر، وُلد عام 1924. يُعتبر أحد ممثلي الفلسفة التحليلية في العالم الأنجلو- ساكسوني وأحد أبرز المهتمين بالحقل الفني والجمالي في الولايات المتحدة الأمريكية. عمل على تأسيس ما يُسمى ﺒ "الجمالية التحليلية" إلى جانب الفيلسوف الأمريكي نلسون غودمان، بالإضافة إلى ذلك اهتم بفلسفة المعرفة والتاريخ والنقد الأدبي. هذا وقد تأثر أرثور دونتو فيما يخص فلسفته الجمالية بالرؤية التاريخانية الهيغيلية، غير أنه استطاع أن يؤسس رؤية فلسفية جمالية مختلفة إلى حد كبير عن رؤية هيغل نفسه، وهذا ما يظهر في كتابه الهام "الفن المعاصر وإقفال التاريخ" الذي كشف من دون شك عن قدرته التنظيرية المتميزة في الحقل الفلسفي الجمالي المعاصر. من أهم مؤلفاته: "عالم الفن" 1964، "نهاية الفن" 1984، "الإذعان الفلسفي للفن" 1993، "بعد نهاية والفن" 1996، "الفن المعاصر وإقفال التاريخ" 2000، 003، "أندي وارول" 2009. أما الأعمال التي تضمنت آراءه الفنية والجمالية، وخاصة في مجال فن الرسم يمكن أن نذكر على وجه التحديد كتابه الموسوم ﺒ "بعد نهاية الفن" وكتاب "تجميل المبتذل: نحو فلسفة للفن" 1981. هذا وتوفي دونتو في عام 2013.

النص:

في كتابه الهام "تكوين الموضوع عند بول سيزان" حلّل الناقد الفني إيرل لوران Erle Loran بعض البنيات الأساسية للوحات هذا الرسّام الكبير. والملاحظ أنّ الكتاب تضمن العديد من الرسومات التخطيطية التي كانت من دون شك مفيدة. وربما كان بوسعنا أن نشير هنا إلى أنّ من أهم هذه الرسومات التي حلّلها إيرل لوران هي الصورة الشخصية المشهورة التي أنجزها سيزان عن زوجته. والحقُ أنّ هذه الصورة تتطابق فعلا مع ما كان منتظرا من الرسم التخطيطي. بحيث أننا نجد فيه سهاما وخطوطا منقّطة وسطوحا. وفضلا عن ذلك، فقد أوضح تنوّع التوجهات والنسب التي حاول إيرل لوران توضيحها. ولا بأس أن نشير بأنّ شهرة هذا الناقد (إيرل لوران) كانت بعد سنوات قليلة من نشر كتابه، حينما رسم الفنّان روي ليشتنشتاين Roy Lichtenstein لوحته الموسومة ﺒ صورة شخصية للسيدة سيزان (1963). والملاحظ أنّ هذه اللوحة تختلف عن الرسم التخطيطي الذي انجزه إيرل لوران على مستوى المقادير والمواد المستعملة. ولكن باستثناء ذلك، يبدو أنه يتعذر علينا -في حقيقة الأمر- التمييز بينهما. لذلك فمن المؤكد أنّ هذا التشابه هو الذي دفع إيرل لوران إلى تقديم شكوى بخصوص تعرضه لسرقة أدبية. وتبعا لذلك أثارت الجرائد نقاشا وجدالا بخصوص هذه القضية. ولا بأس أن نذكّر بأنّه من المعروف أنّ الرسّام روي ليشتنشتاين كان في تلك الفترة من الزمن "يرتكب سرقات أدبية" بشكل اعتيادي. وبالفعل فقد استعمل مثلا صورة اشهارية (ولازالت موجودة إلى يومنا هذا) في تنمية محطة حمامات تُظهر فتاة جميلة وهي تستحم. وليس ذلك فحسب، فقد استعمل عدة أعمال فنية لبابلو بيكاسو Pablo Picasso وأشياء أخرى مألوفة لدينا، بحيث أصبح ربما من المُضحك الحديث اليوم عن سرقة أدبية. لذلك، وحتى نشير هنا إلى حادث مصطنع أو حادث كان له العديد من الردود الفنية، يمكن أن نذكر بأنه لا يمكن ارتكاب سرقة أدبية بمعنى الكلمة لعلبة حساء كامبيل Campbell. إلا أنّ ذلك لا يمنع من القيام بسرقة أدبية بالمعنى غير الفني. وعلى سبيل المثال، يستطيع مُنتج الحساء أن يلصق علامات كامبيل على منتوجه بغرض استغلال ألفة دلالة هذه التسمية، بحيث يتسنى له تقليل نفقاته التجارية الإضافية في حالة ما إذا باع منتوجه تحت اسم مجهول. وهناك نقطة أخرى يمكن أن نشير إليها هنا أيضا، وهي أنّ كتاب إيرل لوران قد أثار العديد من النقاشات في عالم الفن في الخمسينات من القرن العشرين إلى درجة أنّ الحديث عن سرقة أدبية أمر مستبعد بالفعل. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ أهمية هذه النقاشات ليس ذا طابع أخلاقي بل هو ذو طابع فلسفي في الأساس. وما من شك أنّ الأمر هنا متعلق بذلك الاختلاف القائم بين الرسم التخطيطي للعمل الفني والعمل الفني المتعلق بشيء يشبه إلى حد ما رسما تخطيطيا. أما في الحالة الراهنة فإنّ الوضع واضح للغاية. والحقُ يُقال أنّ الرسم التخطيطي للوران مناسب للرسم الملوّن الخاص وهو بذلك متعلقٌ بصياغة أحجامه واتجاهاته الحيوية. ويمكن القول في هذا السياق إنّ لوحة روي ليشتنشتاين متعلقة بكيفية رسم سيزان زوجته. وهي "مناسبة" للمرأة كما رآها سيزان. بذلك قد يكون من المفيد والملائم تحليل عالم سيزان في شكل سطوح عليها علامات وفي شكل أسهم ومستطيلات وخطوط منقّطة. ولكن ومع ذلك، علينا أن نقّر بأنّه بفضل حواراته الشهيرة مع إيميل برنار Emile Bernard استطعنا أن نعرف كيف اعتبر بول سيزان الطبيعة مجموعة من المخروطات والأسطوانات والأشكال الكروية. لذلك دافع عن رؤية فيثاغورية Vision Pythagoricienne فيما يخص الأشكال الأساسية للواقع المستقلة عن شهادة الحواس وأنماط التمثّل السائدة في فن الرسم التقليدي. ومع ذلك، وبعد بضع سنوات فقط من هذه النظرات الهندسية، رسم التكعيبيون Les cubistes العالم وفق مبادئ مماثلة. ولكن كيف تم تطبيق هذه الرؤية الهندسية على "زوجة" سيزان والتعامل معها وكأنها مشكلة أوقليدية Problème Euclidien ! لأننا نعرف قوة الغريزة الجنسية لسيزان المشطورة بين التحشّم والشهوانية، ونعرف أيضا ذلك الطابع الانفعالي والعنيف فيما يخص علاقته بزوجته، التي لم يرتبط بها بعقد زواج رسمي، ورغم ذلك رُزق بطفل منها. وإذا تم اختزال الشخص الذي كان مصدر وموضوع كل هذه المشاعر إلى وصفة أو صيغة فقد كان ذلك من دون شك بليغ الدلالة فيما يخص النجاح الباهر النهائي للاندفاع الفني عند سيزان، حتى وإن نتج عن ذلك تغيير الصورة transfiguration التي اتخذت إلى حد ما طابعا لا إنسانيا. وكأنّ شخصية الإنسان ليست سوى مجموعة من السطوح. وهذا ما يذكرنا من دون شك بأعمالالرسّام الفرنسي مونيه Monet. لقد كان) سيزان( جالسا أمام زوجته كاميه Camille التي غادرت الحياة. لقد كانت هذه الأخيرة قدوته وحبه ودعمه وملاكه الحارس. لقد كشف بمرارة أنه عوض أن يحزن ويتأسف حري به أن يدرس التلوين
الأرجواني لجفونها. يتعلق الأمر هنا بدون شك بعمل فني عميق يهتم بالكيفية التي يدرك من خلالها أكبر رسّام في زمانه العالم. وبالمقابل، فإنّ الشيء المرسوم للوران ليس عملا فنيا بل هو مجرد رسم تخطيطي لأحد الرسّامين التشكيليين. وبالتالي فإنّ المؤاخذة بالسرقة الأدبية ليس مسوّغة على الإطلاق مادام أنّ الموضوعين ينتميان إلى مقولات مختلفة، حتى وإنّ كانا عاملي تمثّل. ولكن ومع ذلك، لا يمكنني القول أنني استطعت إثبات هذا الأمر، بحيث يتم الاعتراف بشيء من الأشياء بأنه عمل فني في حين أنّ الآخر ليس سوى رسم تخطيطي أو مجرد إثبات "ظاهر"، والصدق الفلسفي يدفعنا من دون شك إلى الاعتراف بأنّ السؤال لا زال مفتوحا. إلى حد الآن سمح لنا التحليل من معرفة كيف أنّ للتمثّليْن مضامين متباينة. أما تمثّل لوران فهو متعلق بلوحة من لوحات سيزان، في حين أنّ تمثّل ليشتنشتاين فهو متعلق من جهته برؤية وموقف إزاء العالم الذي يمكن أن نفترض أنها رؤية وموقف إنسان رسم لوحة بهذه الكيفية. وهذا حتى وإن كان لأحد المضامين عمقا أكبر من شيء آخر. بيد أنّ هذا الاختلاف في حد ذاته ليس مماثلا لما يشغلنا. ومن جهة أخرى، ومنذ الشروع في هذه الدراسة عرفنا أنه ليس هناك ما يتعارض مع عدم إمكانية التمييز بين عملين فنيين لهما مضامين مختلفة. والحقُ أنّ مفهوم المضمون لن يجدي نفعا، اللهم إذا زعم البعض بأنّ للأعمال الفنيّة مضامين خاصة ما يميّزها عن التمثّلات الأخرى. وحتى وإن كان الأمر بهذا الشكل، علينا أن نثبت بأنّ عمل ليشتنشتاين الفني يتمتع بمضمون خاص في حين أنّ عمل لوران الفني يفتقر إلى مثل هذا المضمون.


الهوامش:

Arthur Danto, La transfiguration du banal. Une philosophie de l’art. Traduit de l’anglais par Claude Hary-Schaeffer, Paris, éditions Du Seuil, 1989, pp 228-230.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.