حول تكوين الموضوع في لوحات بول سيزان
تأليف: آرثر دانتو
ترجمة وتقديم: كمال بومنير
ترجمة وتقديم: كمال بومنير
آرثر دانتو Arthur Danto فيلسوف أمريكي معاصر، (1924 -2013). يُعتبر
أحد ممثلي الفلسفة التحليلية في العالم الأنجلو-ساكسوني، وأحد أبرز
المهتمين بالحقل الفني والجمالي في الولايات المتحدة الأمريكية الذين
أسهموا في تأسيس ما يُسمى ﺒ "الجماليات التحليلية" إلى جانب كلٍ من نلسون
غودمانNelson Goodman وجورج ديكي Georges Dickie
وجوزيف كوزوت Joseph Kosuth . تأثرت جماليات آرثر دانتو بفلسفة التاريخ
التحليلية Analytical Philosophy of History ، وهذا ما يظهر بجلاء في
كتابيه الأساسيين،الأول بعنوان "تحويلية المبتذل: نحو فلسفة للفن"
1981والثاني جاء بعنوان "الفن المعاصر ونهاية التاريخ"، حيث كشف فيهما عن
قدرته التنظيرية المتميزة في الحقل الفلسفي الجمالي المعاصر ضمن التقليد
الفلسفي التحليلي . من أهم مؤلفات دانتو: "عالم الفن" 1964، "فلسفة تحليلية
للتاريخ" 1965،"تحويلية المبتذل: نحو فلسفة للفن" 1981 "نهاية الفن" 1984،
"الإذعان الفلسفي للفن" 1993، "بعد نهاية الفن" 1996، "الفن المعاصر
ونهاية التاريخ" 2000، "أندي وارول" 2009.
النص:
في كتابه الهام "تكوين الموضوع الفني عند بول سيزان" حلّل الناقد آرل لوران Erle Loran بعض البنيات الأساسية للوحات هذا الرسّام الكبير. والملاحظ أنّ الكتاب تضمن العديد من الرسومات التخطيطية التي كانت –والحقُ يقال- مفيدةً للغاية. وربما كان بوسعنا أن نشير هنا إلى أنّ من أهم هذه الرسومات التي حلّلها إيرل لوران هي تلك اللوحة المشهورة التي صوّر فيها سيزان زوجته ماري هورتينس فيكيه Marie Hortense Fiquet . والحقُ أنّ هذه اللوحة تتطابق فعلا مع ما كان منتظرا من رسمه التخطيطي. بحيث أننا نجد فيها سهاما وخطوطا منقّطة وسطوحا. وفضلا عن ذلك، فقد أبان تماما تنوّع التوجهات والنسب التي حاول آرل لوران توضيحها. ولا بأس أن نشير هنا إلى أنّ شهرة هذا الناقد كانت بعد سنوات قليلة من نشر كتابه، عندما رسم الفنّان روي ليشتنشتاين Roy Lichtenstein لوحته الموسومة ﺒ صورة شخصية للسيدة سيزان (1963). والملاحظ أنّ هذه اللوحة تختلف عن الرسم التخطيطي الذي انجزه إيرل لوران على مستوى المقادير والمواد المستعملة. ولكن باستثناء ذلك، يبدو أنه من الصعب التمييز بينهما. لذلك فمن المؤكد أنّ هذا التشابه هو الذي دفع إيرل لوران إلى تقديم شكوى بخصوص تعرضه لسرقة أدبية. ولعلّنا نذكّر عند هذه النقطة أنّ الجرائد والصحف كانت قد أثارت نقاشا وجدالا بخصوص هذه القضية. وفي هذا المضمار يمكننا أن نشير إلى أنّ روي ليشتنشتاين كان في تلك الفترة من الزمن "يرتكب سرقات أدبية" بشكل اعتيادي. وبالفعل فقد استعمل على سبيل المثال صورة اشهارية (ولازالت موجودة إلى يومنا هذا) في تنمية محطة حمامات تُظهر فتاة جميلة وهي تستحم. وليس ذلك فحسب، فقد استعمل عدة أعمال فنية لبابلو بيكاسو Pablo Picasso وأعمال فنية أخرى مألوفة لدينا، بحيث أصبح ربما من المُضحك الحديث هنا عن سرقة أدبية. لذلك، وحتى نشير هنا إلى حادث مصطنع أو حادث أثار حينئذ ردودا فنية، يمكن أن نذكر بأنه لا يمكن ارتكاب سرقة أدبية بمعنى الكلمة لعلبة حساء كامبيل Campbell. إلا أنّ ذلك لا يمنع من القيام بسرقة أدبية بالمعنى غير الفني. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يستطيع مُنتج الحساء أن يلصق علامات كامبيل على منتوجه بغرض استغلال ألفة دلالة هذه التسمية، في الوقت الذي يستطيع فيه تقليل نفقاته التجارية الإضافية في حالة ما إذا باع منتوجه تحت اسم مجهول. وهناك نقطة أخرى يمكن أن نشير إليها هنا أيضا، وهي أنّ كتاب إيرل لوران قد أثار العديد من النقاشات في عالم الفن في الخمسينات من القرن العشرين إلى درجة أنّ الحديث عن سرقة أدبية أصبح –والحقُ يقال- أمراً مستبعداً بالفعل. وإذا كان الأمر كذلك، لزم أن تُطرح هذه النقاشات على المستوى الفلسفي لا الأخلاقي. وما من شك أنّ الأمر هنا متعلق بذلك الاختلاف القائم بين الرسم التخطيطي للعمل الفني والعمل الفني المتعلق بشيء يشبه إلى حد ما رسما تخطيطيا. أما في الحالة الراهنة فإنّ الوضع واضحٌ للغاية. يبقى لنا أن نشير إلى أنّ الرسم التخطيطي للوران مناسبٌ للرسم الملوّن وهو بذلك متعلقٌ بصياغة أحجامه واتجاهاته الحيوية. أما بالنسبة إلى لوحة روي ليشتنشتاينLischtenstein فإنها متعلقة بكيفية رسم سيزان زوجته. وهي "مناسبة" للمرأة كما رآها سيزان نفسه. بذلك قد يكون من المفيد والملائم تحليل عالم سيزان في شكل سطوح عليها علامات، وفي شكل أسهم ومستطيلات وخطوط منقّطة. ولكن ومع ذلك، علينا أن نقّر بأنّه بفضل حواراته الشهيرة مع إيميل برنار Emile Bernard استطعنا أن نعرف كيف اعتبر سيزان الطبيعة مجموعة من المخروطات والأسطوانات والأشكال الكروية. لهذا السبب فإنه من المفهوم أنه كان يدافع عن رؤية فيثاغورية Vision Pythagoricienne فيما يخص الأشكال الأساسية للواقع المستقلة عن شهادة الحواس وأنماط التمثّل السائدة في فن الرسم التقليدي. ومع ذلك، وبعد بضع سنوات فقط من ظهور هذه الرؤية الهندسية، رسم التكعيبيون Les cubistes العالم وفق مبادئ مماثلة. ولكن كيف تم تطبيق هذه الرؤية الهندسية على "زوجة" سيزان والتعامل معها وكأنها مشكلة أوقليدية ؟ ولعلّنا نذكّر عند هذه النقطة بأنّ قوة الغريزة الجنسية لسيزان كانت بين التحشّم والشهوانية، ونعرف عنه أيضا أنّ علاقته مع زوجته كانت متشنجة، فمعلومٌ أنه لم يرتبط بها بعقد زواج رسمي. ورغم ذلك رُزق بطفل منها. ولا يمكن إنكار أنّ ذلك كان له دلالة واسعة بالنظر إلى النجاح الباهر الذي حققه على المستوى الفني ، حتى وإن أدى ذلك إلى تحويلية transfiguration الصورة التي اتخذت طابعا لا إنسانيا. وكأنّ شخصية الإنسان ليست سوى مجموعة من السطوح. وهذا ما يذكرنا من دون شك بأعمال الرسّام الفرنسي مونيه Monet. لقد كان) سيزان( جالسا أمام زوجته كاميه Camille التي غادرت الحياة. لقد كانت هذه الأخيرة قدوته وحبه ودعمه وملاكه الحارس. لقد كشف بمرارة أنه عوض أن يحزن ويتأسف كان حريا به أن يدرس التلوين الأرجواني لجفونها. ولا يخفى أنّ الأمر هنا متعلقٌ بعمل فني عميق يهتم بالكيفية التي يدرك من خلالها أكبر رسّام في زمانه العالم.
Arthur Danto, La transfiguration du banal. Une philosophie de l’art. Traduit de l’anglais par Claude Hary-Schaeffer, Paris, éditions Du Seuil, 1989, pp 228-229.
النص:
في كتابه الهام "تكوين الموضوع الفني عند بول سيزان" حلّل الناقد آرل لوران Erle Loran بعض البنيات الأساسية للوحات هذا الرسّام الكبير. والملاحظ أنّ الكتاب تضمن العديد من الرسومات التخطيطية التي كانت –والحقُ يقال- مفيدةً للغاية. وربما كان بوسعنا أن نشير هنا إلى أنّ من أهم هذه الرسومات التي حلّلها إيرل لوران هي تلك اللوحة المشهورة التي صوّر فيها سيزان زوجته ماري هورتينس فيكيه Marie Hortense Fiquet . والحقُ أنّ هذه اللوحة تتطابق فعلا مع ما كان منتظرا من رسمه التخطيطي. بحيث أننا نجد فيها سهاما وخطوطا منقّطة وسطوحا. وفضلا عن ذلك، فقد أبان تماما تنوّع التوجهات والنسب التي حاول آرل لوران توضيحها. ولا بأس أن نشير هنا إلى أنّ شهرة هذا الناقد كانت بعد سنوات قليلة من نشر كتابه، عندما رسم الفنّان روي ليشتنشتاين Roy Lichtenstein لوحته الموسومة ﺒ صورة شخصية للسيدة سيزان (1963). والملاحظ أنّ هذه اللوحة تختلف عن الرسم التخطيطي الذي انجزه إيرل لوران على مستوى المقادير والمواد المستعملة. ولكن باستثناء ذلك، يبدو أنه من الصعب التمييز بينهما. لذلك فمن المؤكد أنّ هذا التشابه هو الذي دفع إيرل لوران إلى تقديم شكوى بخصوص تعرضه لسرقة أدبية. ولعلّنا نذكّر عند هذه النقطة أنّ الجرائد والصحف كانت قد أثارت نقاشا وجدالا بخصوص هذه القضية. وفي هذا المضمار يمكننا أن نشير إلى أنّ روي ليشتنشتاين كان في تلك الفترة من الزمن "يرتكب سرقات أدبية" بشكل اعتيادي. وبالفعل فقد استعمل على سبيل المثال صورة اشهارية (ولازالت موجودة إلى يومنا هذا) في تنمية محطة حمامات تُظهر فتاة جميلة وهي تستحم. وليس ذلك فحسب، فقد استعمل عدة أعمال فنية لبابلو بيكاسو Pablo Picasso وأعمال فنية أخرى مألوفة لدينا، بحيث أصبح ربما من المُضحك الحديث هنا عن سرقة أدبية. لذلك، وحتى نشير هنا إلى حادث مصطنع أو حادث أثار حينئذ ردودا فنية، يمكن أن نذكر بأنه لا يمكن ارتكاب سرقة أدبية بمعنى الكلمة لعلبة حساء كامبيل Campbell. إلا أنّ ذلك لا يمنع من القيام بسرقة أدبية بالمعنى غير الفني. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يستطيع مُنتج الحساء أن يلصق علامات كامبيل على منتوجه بغرض استغلال ألفة دلالة هذه التسمية، في الوقت الذي يستطيع فيه تقليل نفقاته التجارية الإضافية في حالة ما إذا باع منتوجه تحت اسم مجهول. وهناك نقطة أخرى يمكن أن نشير إليها هنا أيضا، وهي أنّ كتاب إيرل لوران قد أثار العديد من النقاشات في عالم الفن في الخمسينات من القرن العشرين إلى درجة أنّ الحديث عن سرقة أدبية أصبح –والحقُ يقال- أمراً مستبعداً بالفعل. وإذا كان الأمر كذلك، لزم أن تُطرح هذه النقاشات على المستوى الفلسفي لا الأخلاقي. وما من شك أنّ الأمر هنا متعلق بذلك الاختلاف القائم بين الرسم التخطيطي للعمل الفني والعمل الفني المتعلق بشيء يشبه إلى حد ما رسما تخطيطيا. أما في الحالة الراهنة فإنّ الوضع واضحٌ للغاية. يبقى لنا أن نشير إلى أنّ الرسم التخطيطي للوران مناسبٌ للرسم الملوّن وهو بذلك متعلقٌ بصياغة أحجامه واتجاهاته الحيوية. أما بالنسبة إلى لوحة روي ليشتنشتاينLischtenstein فإنها متعلقة بكيفية رسم سيزان زوجته. وهي "مناسبة" للمرأة كما رآها سيزان نفسه. بذلك قد يكون من المفيد والملائم تحليل عالم سيزان في شكل سطوح عليها علامات، وفي شكل أسهم ومستطيلات وخطوط منقّطة. ولكن ومع ذلك، علينا أن نقّر بأنّه بفضل حواراته الشهيرة مع إيميل برنار Emile Bernard استطعنا أن نعرف كيف اعتبر سيزان الطبيعة مجموعة من المخروطات والأسطوانات والأشكال الكروية. لهذا السبب فإنه من المفهوم أنه كان يدافع عن رؤية فيثاغورية Vision Pythagoricienne فيما يخص الأشكال الأساسية للواقع المستقلة عن شهادة الحواس وأنماط التمثّل السائدة في فن الرسم التقليدي. ومع ذلك، وبعد بضع سنوات فقط من ظهور هذه الرؤية الهندسية، رسم التكعيبيون Les cubistes العالم وفق مبادئ مماثلة. ولكن كيف تم تطبيق هذه الرؤية الهندسية على "زوجة" سيزان والتعامل معها وكأنها مشكلة أوقليدية ؟ ولعلّنا نذكّر عند هذه النقطة بأنّ قوة الغريزة الجنسية لسيزان كانت بين التحشّم والشهوانية، ونعرف عنه أيضا أنّ علاقته مع زوجته كانت متشنجة، فمعلومٌ أنه لم يرتبط بها بعقد زواج رسمي. ورغم ذلك رُزق بطفل منها. ولا يمكن إنكار أنّ ذلك كان له دلالة واسعة بالنظر إلى النجاح الباهر الذي حققه على المستوى الفني ، حتى وإن أدى ذلك إلى تحويلية transfiguration الصورة التي اتخذت طابعا لا إنسانيا. وكأنّ شخصية الإنسان ليست سوى مجموعة من السطوح. وهذا ما يذكرنا من دون شك بأعمال الرسّام الفرنسي مونيه Monet. لقد كان) سيزان( جالسا أمام زوجته كاميه Camille التي غادرت الحياة. لقد كانت هذه الأخيرة قدوته وحبه ودعمه وملاكه الحارس. لقد كشف بمرارة أنه عوض أن يحزن ويتأسف كان حريا به أن يدرس التلوين الأرجواني لجفونها. ولا يخفى أنّ الأمر هنا متعلقٌ بعمل فني عميق يهتم بالكيفية التي يدرك من خلالها أكبر رسّام في زمانه العالم.
Arthur Danto, La transfiguration du banal. Une philosophie de l’art. Traduit de l’anglais par Claude Hary-Schaeffer, Paris, éditions Du Seuil, 1989, pp 228-229.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق