أعلان الهيدر

الاثنين، 30 مارس 2020

الرئيسية مقاربةٌ فينومينولوجيةٌ للتجربةِ الموسيقيةِ

مقاربةٌ فينومينولوجيةٌ للتجربةِ الموسيقيةِ


مقاربةٌ فينومينولوجيةٌ للتجربةِ الموسيقيةِ





"مقاربةٌ فينومينولوجيةٌ للتجربةِ الموسيقيةِ"
تأليف: ألفريد شوتز
تقديم وترجمة: كمال بومنير


ألفريد شوتز Alfred Schütz فيلسوف وعالم اجتماع نمساوي معاصر. وُلد عام 1899 بمدينة فيينا وتوفي في نيو يورك عام 1959. أسس ما يسمى بعلم الاجتماع الفينومنولوجي، وبخاصة بعد تأثره بالمنهج الفينومنولوجي لأدموند هوسرل وبمنهج الفهم عند ماكس فيبر، حيث عمل على تطبيق الفينومينولوجيا على الظواهر الاجتماعية قصد معرفة العلاقات الإنسانية والبنيات الزمنية للوعي الإنساني والتجارب والأفعال الاجتماعية وفهم معانيها ودلالاتها ومقاصدها. وبعد هجرته إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1938، اطلع على الفكر البراغماتي الأمريكي الذي أفاده في ما يخص تأكيد أهمية المعطيات العينية والعملية المتعلقة بفهم العالم المعيش Le monde vécu . من أهم مؤلفاته: "فينومنولوجيا عالم الحياة: مدخل إلى سوسيولوجيا الفهم" 1932، "بنية عالم الحياة" نُشر عام 1979، "دراسات في الفلسفة الفينومينولوجية" 1966، "محاولة في سوسيولوجيا الفعل" نُشر عام 2009. أما الكتاب الذي تناول فيه فن الموسيقى وعالج فيه قضاياها فقد جاء بعنوان: "كتابات في الموسيقى" الذي ضم مجموعة من المقالات والنصوص التي كتبها ألفريد شوتز بين 1924و1956 .
النص:
إن كنا نبتغي، حقا، القيام بتحليل فينومنولوجي أصيل للتجربة الموسيقية، فلا مناص من تحديد العناصر المشتركة المتضمنة في الأنواع الموسيقية، بغض النظر عن الخصائص المميزة للثقافة الموسيقية الواحدة. والحقُ أنّ الكيفية التي ينظر بها المستمعُ المثقف إلى الموسيقى السائدة في حضارة زمننا هذا، تتوقفُ، من دون شك، على تربيته وثقافته وعاداته في السماع وبالتصورات العامة الخاصة بوظيفة الموسيقى، وعلى بعض الافتراضات المتعلقة بالأسلوب النموذجي الذي كان سائدا في الأعمال الموسيقية في العصور السابقة. كما أنها تتوقف أيضا على موقفه تجاه الموسيقى المعاصرة. والحالُ أنّ المستمع لا يعرف –والحقُ يقال- سوى فترة قصيرة من تاريخ الموسيقى، أي الموسيقى الغربية منذ مائتين وخمسين سنة، التي بدأت –كما هو معلومٌ-مع سيبستيان باخ Sébastien Bach ثم مع غيورغ فريدريش هانْدل Georg Friedrich Händel وصولا إلى الموسيقى السائدة اليوم . واللافتُ للنظر أنّ هذا النوع الموسيقي كان نموذجا متقوما بالإيقاع والتناغم. وبذلك يمكننا اعتباره مفهوما خاصا فيما يتعلق بالتوافق التناغمي Harmonie والطباق اللحني Contrepoint، وما يتعلق أيضا بمجموعة نموذجية من التعديلات الممكنة المتعلقة بالفكرة الرئيسة للقطعة الموسيقية أو الإيقاعية التي يبنى عليها العمل الموسيقي، وللمجموعة النموذجية للأشكال الموسيقية النوعية، الخ. وإنه مهمٌّ في هذا الشأن أن نلاحظ بأنّ المستمع لا يملك إلا فكرة محدودة فيما يخص قدرة الموسيقى على التعبير عن بعض الأحاسيس والمشاعر والأمزجة، وفي وصف حوادث العالم الخارجي. لذلك فهو لا يستطيع أن ينسى الشكل النموذجي الذي وضعه الموسيقيون الكلاسيكيون النمساويون فيما يخص السيمفونية La symphonie وموسيقى الأوبرا التي ألفها ريتشارد فاغنر Richard Wagner وجوسيبي فيردي Giuseppe Verdi وتبعا لذلك، لا يمكننا أن نكتفي بالقول إنّ الموسيقى المعاصرة مجرد فرع من هذه النماذج الموسيقية. وعلى هذا النحو، يمكننا قراءة أعمال باخ Bach وموزارت Mozart بطريقة مغايرة تماما. وبذلك، ليس من الصعب أن نتبيّن أن السبب في ذلك يكمن في اعتقاد بعض الموسيقيين بأنّه قد كان للنموذج الموسيقي، الذي وضعه فاغنر ومدرسته، مكانة مغايرة تماما للمكانة التي يحظى بها بالنسبة إلينا اليوم. ولكن ومع ذلك، يجب على الموسيقى الغريغورية Musique grégorienne والموسيقى القوطية Gothique والموسيقى الفلمندية Musique Flamande والموسيقى العربية والموسيقى الصينية والموسيقى البدائية، أن تقدم بعض الخصائص، التي تعتبر من دون شك، جزءا لا يتجزأ من التجربة الموسيقية "من حيث هي ظاهرة خاصة بحياتنا الواعية". لذلك فإنه بالوسع القول إنّ هذه هي حقا العناصر التي يجب أن تتطرق إليها المقاربة الفينومينولوجية. غير أنّ هذا لا يعني أنّ هذه المقاربة لن تأخذ بعين الاعتبار وجود النماذج الموسيقية الخاصة التي ميزت بعض الحقب التاريخية. وقد يكون من نافلة القول أن نقّر بأنّ المستمع يملك فعلا مجموعة من التجارب المتعلقة بالنمط العام للموسيقى التي يستمع إليها. ذلك أنه من البيّن أنه لو لم يملك مثل هذه المعارف السابقة فلن تكون للموسيقى التي يستمع إليها أي معنى.
Alfred Schütz, Ecrits sur la musique, 1924-1956, Traduit de l’allemand par Bastien Gallet et Laurent Perreau, Paris, éditions MF, 2007, p 81.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.