أعلان الهيدر

الخميس، 19 ديسمبر 2019

الرئيسية حول الرسّام التشكيلي سيمون سيغال

حول الرسّام التشكيلي سيمون سيغال


حول الرسّام التشكيلي سيمون سيغال

تأليف: غاستون باشلار
ترجمة وتقديم: كمال بومنير

غاستون باشلار Gaston Bachelard فيلسوف فرنسي معاصر، وُلد عام 1884وتوفي في 1962. حصل على شهادة التبريز في الفلسفة في 1922، ثم على الدكتوراه في الآداب عام 1927، ثم عُيّن أستاذا للفلسفة وشغل منصب كرسي بفلسفة العلوم بالجامعة الفرنسية العريقة السوربون سنة 1940، ثم أستاذا فخريا عام 1955. أهم أعماله في حقل فلسفة العلوم: "محاولة في المعرفة المقاربة" 1927، "حدس اللحظة" 1932 ""الروح العلمية الجديد" 1934، "تكوين العقل العلمي"1938، "العقلانية التطبيقية" 1949. اهتم باشلار أيضا بفلسفة الفن وعلم الجمال والأدب، بعد انشغاله سنين عديدة بتطور الفكر العلمي وشروط تكوّنه. ومن أهم أعماله الجمالية والفنية: الماء والأحلام" 1941" شاعرية حلم اليقظة 1960"، "جماليات المكان" 1957،

"لهب شمعة"1961 ". أما الأعمال التي تضمنت آراءه الفنية والجمالية، وخاصة في مجال فن الرسم يمكن أن نذكر على وجه التحديد كتابه الموسوم ﺒ "الحقُ في الحلم" وهو عبارة عن سلسلة من المقالات والدراسات كتبها غاستون باشلار بين 1939 و1962.

النص:

ليس من شك أنّ قدر كل رسّام تشكيلي مرهون بما ينجزه من أعمال فنية. والحقُ إنّ مسار حياته يأتي في تلك اللحظات التي تتحكم فيه هذه الأعمالُ وتحدّد مصيره ومستقبله. ولكن ومع ذلك، قد يعانى لحظات من توالي المصائب والشكوك التي يتألم فيها كثيرا، وهذا ما قد يدفعه أحيانا إلى الاستسلام لتقلبات الدهر. فقد يقضى سنوات كاملة في تحضير أعمال غامضة، ولكن وعلى الرغم من ذلك، فإنّ إرادته في انجاز هذه الأعمال لن تنتهي –بطبيعة الحال- بمجرد أن يحقّق ضالته. وعلى هذا النحو فإنّ العمل الفني النشيط والخلاّق يشق حياة الفنّان ويضفي عليها فضائل مستقيمة. إذ ذاك لا غرابة أن يساور المرء الشعور بأنّ كل شيء يبدو متجها نحو غاية يتعاظم فيها العمل الفني باستمرار.
ليس من شك أنّ الاستغراق في رسم لوحة فنية وتأملها مرارا وتكرارا، حتى تعبّر هذه الأخيرة فعلا عن روحها العميقة هو سر عملية الإبداع الفني الذي ميّز الرسّام التشكيلي سيمون سيغال Simon Segal. لقد أشار الباحث فالدمار جورج Waldemar Georges في دراسة دقيقة وعميقة إلى النجاح الذي حقّقته أعمال هذا الرسّام التشكيلي. والحقُ أنّ الشهادة التي أوّد أن أدلي بها هنا هي شهادة فيلسوف مولع بحب ما يُذهل ويُبهر المرء حقا؛ أثناء تلك الليالي المظلمة من أيام الحرب العالمية الثانية اضطر سيمون سيغال للاختباء والمكوث طويلا عندي في غرفة في أعلى بيت ذات سقف منحنٍ، حيث اشتغل في تلك الليالي بكل ما أوتي من قوة وبشكل مكثف، فأبدع لما شاهده ولما كان متلهفا لرؤيته. معلومٌ أنّ تلك الفترة من الزمن كانت فترة غليان وقلق، ولم تكن –والحقُ يقال- منفصلة تماما عن ماضٍ طويلٍ وملزم بإكراهات مهنية. ولكن ومع ذلك، فقد تغيّرت الأمور بعد ذلك بالنسبة إلى سيمون سيغال، إلى ما هو أجسن بطبيعة الحال. وحينما عاد إلى عالم الأحياء، بعدما وضعت الحرب أوزارها، كان قد خرج من غرفته متجها نحو البحر، إذ ذاك لم تعد الأرض سوى أنف الجبل الخارج منه والداخل في البحر، قمة شاطئ صخري، ومن فوق البحر يمكن أن تعثر السماء على أساسها الحق. أما الأفق الواسع للبحر فسيعبّر الرسّام من خلاله عن رغبات رؤيته الإنسان. وعندئذ، سيصبح سيمون سيغال رسّاما سينظر نحو ما هو بعيد، وسيرى عالما لا يكف عن الاتساع. ولا غرابة أنه سيجد في رأس الهاغ Cap de la Hague عند نهاية كتونتان Cototin عالمه الفذّ الذي لا يُضاهى. والجدير بالذكر بهذا الصدد هو أنّ سيمون سيغال سيعبّر، بعد ذلك، بواسطة الألوان عن صلابة أو متانة كل شيء، عن السقف والسور والإنسان، بحيث سيكون كل منزل وكل مرْج، وستكون كل أرض مسوَّرة ومحاطة بأفق بحري متميّز. وبهذا، فإنّ الصراع هنا أمر مشهود في لوحات سيمون سيغال لأنه يعرف جيدا أنّ الريح قد تعصف بقوة على منظر طبيعي هادئ. لذلك، كان لا مناص من أن يُحتفظ لهذا المنظر بصلابته وبأثر بدائيته المتوحشة. وعلى هذا الأساس، بالوسع القول إنه ومن خلال هذا الطابع القاسي والفظ والبدائي يظهر لنا سيمون سيغال Simon Segal وكأنه يساعد الطبيعة في مقاومتها. لهذا السبب عمل على تكبير واقع كل شيء من خلال جعلها قادرة حقا على المقاومة [..]

في يوم من الأيام أراد سيمون سيغال أن يرسم صورتي الشخصية. لقد كان ذلك في يوم من أيام فصل الشتاء، في تلك اللحظات التي كنتُ أفكر في الحياة التي جعلتني فيلسوفا من دون أن أعرف كيف حدث هذا الأمر حقا. لقد كنت أفكر أيضا في أعمالي غير المكتملة. والحقُ أنه قد فاجآني، ولكن ومع ذلك، فقد كانت تلك اللحظات شهادة عن حياتي القاسية. لذلك أوّد أن اعترف هنا بأنّ هذا الرسّام قد عبّر حقا -بلغته التشكيلية- عن بعض الأشياء الحقيقية تخصني شخصيا. لذلك تجدني مندهشا حقا حينما أتأمل صورتي الشخصية التي رسمها سيمون سيغال لأنني –والحقُ يقال-أرى في هذه الصورة نظرة أبي. 


الهوامش:   

Gaston Bachelard, Le droit de rêver, Paris, éditions Quadrige/ PUF, 2001,p 43.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.