حول تجارب الاحتقار الاجتماعي ونكران الاعتراف
تقوم مختلف تجارب الاحتقار الاجتمـاعي Le mépris
social ونكران الاعتراف Le déni de reconnaissance التي يتعرض لها بعض
الأفراد في حياتهم الاجتماعية اليومية على ثلاثة أشكال أساسية؛ الشكل الأول
متعلق بتجربة احتقار الجانب الجسدي التي يعاني منها بعض الأفراد، ومن أبرز
مظاهره ممارسة العنف التي تحرم هؤلاء الأفراد من إمكانية التصرّف أو
التحكم في أجسادهم وفق إرادتهم وبمقتضى حريتهم، إثر خضوعهم لقوة قاهرة قد
تتسلط عليهم وتهدد كيانهم. والحقُ أنّ كل محاولة للتحكم في جسد شخص آخر ضد
إرادته ينتج عنه –بطبيعة الحال-شعور المرء المعتدى عليه بالذل، وهو شعور
يقوّض–لا محالة-علاقة المرء مع ذاته بصورة عميقة لأنّ خصوصية هذا الشكل من
الإساءة والاعتداء الجسدي أو المادي، كالتعذيب أو الاغتصاب، لا تنحصرُ في
ما تسببه من ألم بدني أو مادي فقط وإنما فيما تسببه من ألم نفسي متمثل في
شعور المعتدى عليه بأنه كان خاضعا لإرادة الشخص المعتدي بالنظر إلى كونه
عاجزا على مقاومته قصد الدفاع عن نفسه. وليس من شك أنّ تجربة الاحتقار تلحق
لدى الشخص المعتدى عليه ضررا نفسيا يصاب إثرها بحالات نفسية وعاطفية سلبية
كالغضب والخجل والإذلال وكره الآخرين، في الوقت الذي يشعر فيه هذا الشخص
أنّ نكران الاعتراف الناتج عن شعوره بالاحتقار يعتبر في هذه الحالة ظلما
وعدوانا وضررا يمس شخصه وكرامته كإنسان جدير بالاحترام والتقدير. أما الشكل
الثاني من الاحتقار فهو مرتبط بمختلف أنواع تجارب الذل والإهانة والجور
التي يعاني منها بعض الأفراد عندما يُحرمون من بعض أو كل حقوقهم المشروعة.
والحقُ أنّ عدم حصولهم على هذه الحـقوق يعني ضمنيا أنّ المجتمع لا يعترف
لهم بنفس درجة المسؤولية التي يُعترف بها لسائر أعضاء المجتمع. ليس من شك
أنّ ما يميّز هذا النمط من الاحتقار الاجتماعي قد يدفعهم إلى الشعور بأنّ
وضعهم الاجتماعي لا يماثل الآخرين المشاركين لهم في التفاعل الاجتماعي،
ولهذا السبب يشعر هؤلاء الأفراد بفقدان الاحترام. أما بالنسبة إلى الشكل
الثالث، فهو يتمثل في الحكم على القيمة الاجتماعية لبعض الأفراد بصورة
سلبية والتي لا تليق بهم، في واقع الأمر، بمقامهم الاجتماعي ولا بقيمتهم
الأخلاقية ومنزلتهم القانونية. والحالُ أنّ هذا الشكل من الاحتقار يتم على
المستوى القيمي أو المعياري، وله –بطبيعة الحال- صلةٌ مباشرةٌ بشعور هؤلاء
الأفراد بكرامتهم وتقديرهم الاجتماعي. وليس بخافٍ على أحد مدى حاجة الأفراد
إلى التـقدير والاعتبار الشخصي والاحترام والاعتراف ضمن الإطار التفاعلي
للحياة النفسية والاجتماعية، وهذا بغرض أن يشعر هؤلاء الأفراد بالانتماء
الفعلي للمجتمع، باعتبارهم أعضاء جديرين فعلا بتقدير مختلف قدراتهم
وكفاءاتهم بغية تحقيق ذواتهم بصورة ايجابية.

مقتطف من كتابي الجديد الذي سيصدر قريبا بعنوان: "الحقُ في الاعتراف:مدخل إلى قراءة فلسفة أكسل هونيث"...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق