تأليف: شارل لالو
ترجمة وتقديم: كمال بومنير
ترجمة وتقديم: كمال بومنير
شارل لالو Charles Lalo فيلسوف فرنسي ولد في 1877 بمدينة بريغو وتوفي في باريس عام 1953. تأثر لالو بأقطاب النزعة الوضعية (أوغست كونت،إميل دروركايم،الخ)، وكان من أشد المنتقدين للنزعة الروحية التي كان تزعمها الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون. يُعتبر شارل لالو أحد مؤسسي ما يسمى ﺑ الإستطيقا السوسيولوجية Esthétique sociologique مع صديقه فيكتور باش، في مقابل الإستطيقا المثالية أو الميتافيزيقية التي كانت مهيمنة على الدراسات الفنية والجمالية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في فرنسا. يرى شارل لالو أنّ الإستطيقا السوسيولوجية تهدف إلى دراسة الأعمال الفنية وفق معايير علمية قصد الوصول إلى معرفة الحقائق الموضوعية في الحقل الفني والجمالي. ولتحقيق هذا الغرض انصبت أعماله الفلسفية على الجانب الجمالي والفني، وحاول تطبيق المناهج العلمية الاجتماعية الوضعية في الدراسات الاستطيقية وربطها بالحياة الاجتماعية قصد مواجهة الاتجاهات الروحية والنفسية والذاتية التي كانت مهيمنة على الحقل الفني والجمالي في تلك الفترة في فرنسا. من أهم أعمال شارل لالو يمكن أن نذكر: "مخطط لجمالية موسيقية علمية" 1908، "المشاعر الجمالية" 1909، "الجمال والغريزة الجنسية" 1922، "الفن والأخلاق" 1922، "الفن والحياة الاجتماعية" 1927، "المفاهيم الجمالية" 1927، "التعبير عن الحياة في الفن" 1933، "جمالية الضحك" 1949.
النص:
قد يبدو لنا للوهلة الأولى أنّ ثمة تنافرا أو ما يشبه التنافر بين الجمال الفني والجمال الطبيعي. وإذا كان الأمر كذلك فهل يعني هذا أنه يتعيّنُ على الفن استبعاد الطبيعة ولا يستهدي بها بالمرة؟ ليس من السهل تقبّل مثل هذا الرأي؛ من المعلوم أنّ إحساسنا بالطبيعة أو الجمال الطبيعي La beauté naturelle ليس "قانونا" لنشاط وفاعلية الفنّان بل مجرد "دافع" من الدوافع التي تحرك هذا النشاط. لذلك فإنّ هذا الإحساس لا يوجه في حقيقة الأمر هذه الحركات وإنما يولّدها فقط، مثل بقية الأحاسيس الأخرى، علما أنّ الغرائز والقوى الأخرى الكامنة في الإنسان يمكن أن تقوم بذلك أيضا. وحينئذ، لا يهم -فيما يخص قيمة العمل الفني- ما الذي ألهم أو أوحى للفنان نشاطه الفني مثلما لا يهم أيضا من يستضيءُ بالكهرباء ما إذا كان المحرك الكهربائي الذي أحدث التيار شلالٌ أو مسقطُ ماء أم آلةٌ بخاريةٌ. أما إذا كان حب الطبيعة مثل الحب الجنسي، أحد الدوافع الأكثر قوة للفنّان المحترف والهاوي أيضا، فإنه يصبح بإمكاننا القول بأنّ دور هذا الجمال سيكون من دون شك سلبيا. والحقُ أنّ غياب الفن في الطبيعة هو الذي سيدفع الفنّان إلى إضافة جمال آخر. وبخلاف الإنسان العملي أو العالِم، نلاحظ أنّ هذا هو أسلوب الفنّان المتميز في الاهتداء إلى الطبيعة والتفاعل معها . لذلك، لا محيد للفنّان الذي يريد أن يحقق هذا الغرض من أن يسعد بمزج حياته ووعيه الإنساني بالحياة والوعي الكونيين. ولكن ومع ذلك فإنّ حياته ووعيه الإنساني مشكّلان في حقيقة الأمر بواسطة التقنية La technique. والحالُ أنّ هذا هو السبب الذي يدفعه إلى قبول نقلهما خارج ذاته. وغير خافٍ على أحدٍ أنّ مختلف أنواع القيم التي نخص بها الطبيعة ليست كامنة في هذه الأخيرة بل هي كامنة فينا. لذلك يمكننا القول إنّ عدم الاكتراث الجمالي Indifférence esthétique للطبيعة مماثل تماما لعدم اكتراثها الأخلاقي أو المنطقي، بحيث لا يمكنها أن تلقّن الفنان منهجا جماليا لا تمتلكه أصلا. بطبيعة الحال تبقى بالنسبة لهذا الأخير مصدرا يستلهم منه عمله الفني، ولكن وفق تقنيته الفنية وبحسب ما اكتسبه من خلال تربيته الشخصية والاجتماعية. والقول الجامع في هذا المقام هو أنّ هذه التقنية لا الطبيعة هي مدرسة الفنّان الحقيقية.
Charles Lalo, Introduction à l’esthétique. Paris, Librairie Armand Colin, 1935, p 143.
النص:
قد يبدو لنا للوهلة الأولى أنّ ثمة تنافرا أو ما يشبه التنافر بين الجمال الفني والجمال الطبيعي. وإذا كان الأمر كذلك فهل يعني هذا أنه يتعيّنُ على الفن استبعاد الطبيعة ولا يستهدي بها بالمرة؟ ليس من السهل تقبّل مثل هذا الرأي؛ من المعلوم أنّ إحساسنا بالطبيعة أو الجمال الطبيعي La beauté naturelle ليس "قانونا" لنشاط وفاعلية الفنّان بل مجرد "دافع" من الدوافع التي تحرك هذا النشاط. لذلك فإنّ هذا الإحساس لا يوجه في حقيقة الأمر هذه الحركات وإنما يولّدها فقط، مثل بقية الأحاسيس الأخرى، علما أنّ الغرائز والقوى الأخرى الكامنة في الإنسان يمكن أن تقوم بذلك أيضا. وحينئذ، لا يهم -فيما يخص قيمة العمل الفني- ما الذي ألهم أو أوحى للفنان نشاطه الفني مثلما لا يهم أيضا من يستضيءُ بالكهرباء ما إذا كان المحرك الكهربائي الذي أحدث التيار شلالٌ أو مسقطُ ماء أم آلةٌ بخاريةٌ. أما إذا كان حب الطبيعة مثل الحب الجنسي، أحد الدوافع الأكثر قوة للفنّان المحترف والهاوي أيضا، فإنه يصبح بإمكاننا القول بأنّ دور هذا الجمال سيكون من دون شك سلبيا. والحقُ أنّ غياب الفن في الطبيعة هو الذي سيدفع الفنّان إلى إضافة جمال آخر. وبخلاف الإنسان العملي أو العالِم، نلاحظ أنّ هذا هو أسلوب الفنّان المتميز في الاهتداء إلى الطبيعة والتفاعل معها . لذلك، لا محيد للفنّان الذي يريد أن يحقق هذا الغرض من أن يسعد بمزج حياته ووعيه الإنساني بالحياة والوعي الكونيين. ولكن ومع ذلك فإنّ حياته ووعيه الإنساني مشكّلان في حقيقة الأمر بواسطة التقنية La technique. والحالُ أنّ هذا هو السبب الذي يدفعه إلى قبول نقلهما خارج ذاته. وغير خافٍ على أحدٍ أنّ مختلف أنواع القيم التي نخص بها الطبيعة ليست كامنة في هذه الأخيرة بل هي كامنة فينا. لذلك يمكننا القول إنّ عدم الاكتراث الجمالي Indifférence esthétique للطبيعة مماثل تماما لعدم اكتراثها الأخلاقي أو المنطقي، بحيث لا يمكنها أن تلقّن الفنان منهجا جماليا لا تمتلكه أصلا. بطبيعة الحال تبقى بالنسبة لهذا الأخير مصدرا يستلهم منه عمله الفني، ولكن وفق تقنيته الفنية وبحسب ما اكتسبه من خلال تربيته الشخصية والاجتماعية. والقول الجامع في هذا المقام هو أنّ هذه التقنية لا الطبيعة هي مدرسة الفنّان الحقيقية.
Charles Lalo, Introduction à l’esthétique. Paris, Librairie Armand Colin, 1935, p 143.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق