علاقاتنا الناجحة والخائبة بالعالم
تأليف: هارتموت روزا
ترجمة: كمال بومنير

النص:
من المؤكد أنّ نوعيةَ الحياة الإنسانية (والعلاقات الاجتماعية) لا تقاس فقط بالموارد المتوفرة ولا بالخيارات المتاحة لدينا، بل على العكس من ذلك، يجب تقديرها من خلال دراسة نوعية العلاقة بالعالم التي تحكم هذه الحياة. والجدير بالذكر بهذا الصدد هو أنّ الفكرة، التي تُعتبر من نواحٍ عديدةٍ حاسمةً بالنسبة للحداثة، والتي مفادها أنّ ازدياد الموارد والخيارات تُعتبر ضمانًا لتحسين نوعية الحياة، مضلِّلة للغاية؛ كل شيء يقودنا إلى الاعتقاد بأن منطق هذا الازدياد والنمو، المتسم بديناميكية خاصة، والذي يجد غايته في ذاته، أصبح يرهق علاقتنا بالعالم أكثر فأكثر، إلى درجةٍ أنه أصبح يعبّر عن علاقة إشكالية بهذا العالم.
من المعلوم أنّ نجاح أو فشل حياتنا أمرٌ يتوقف على نوعية تجربتنا (السلبية) بالعالم وبكيفية تملكّه أو استيعابه (بفعالية). والحقُ أنّ البحث عن شكل آخر من أشكال العلاقة بالعالم قد غذى إلى حد ما، بصورة ضمنية، فكر النظرية النقدية منذ نشأتها (في 1923): وعلى هذا النحو، عالج كارل ماركس مسألة الاغتراب في مخطوطاته الاقتصادية والفلسفية لعام 1844، وعارض غيورغ لوكاتش العلاقة المشيَّئة بالعالم بفكرة تملّكه الناجح، وقابل هربرت ماركوز بين أورفيوسOrphée ونرسيس(أو نرجس) Narcisse وبروميثيوس Prométhée ، ودافع ثيودور أدورنو عن فكرة وجود علاقة "دافئة" و"وثيقة" بالعالم، وعن تجربة غير متصنّعة ضد "البرودة" البرجوازية وتسلط العقل الأداتي. أما فالتر بنيامين فقد رفض التخلي عن الأمل المشيحاني Messianique أمام كوارث التاريخ. من المعلوم أيضا أنّ فكرة الفرق بين العلاقات الناجحة والخائبة بالعالم تُقاس -أولا وقبل كل شيء- بقوة ومتانة "روابطنا" مع الآخرين (ومع الأشياء)، وبدرجة "انفتاحنا تجاههم"، هي أيضًا فكرةٌ مركزيةٌ في فكر إريش فروم، ولاسيما في كتابه الموسوم ﺑــــ"الامتلاك أو الوجود". ويمكننا الكشف عن الأشكال الأولية لسوسيولوجيا العلاقة بالعالم حتى في الخوف، التي صاغها يورغن هابرماس، حينما تطرق إلى ما يُسمى ﺑــ الأوامر الصامتة للسلطة والمال، وهي بصدد استعمار العالم المعيش المتسم بـ "الطابع التواصلي"، وفي التقابل الذي أقامه أكسل هونيث بين تجارب العالم القائمة على الملاقاة و"الاعتراف" وتلك التجارب القائمة على الاستبعاد والاحتقار. هذا، وقد اقترح في الآونة الأخيرة راهل ييغي Rahel Jaeggi إعادة تعريف "الاغتراب" على أنه اضطراب في العلاقة بالعالم: وتوضيحُ ذلك أنّ الذوات التي تفشل في احتواء أجزاء معينة من العالم، تصبح محاصرةً في "علاقات بدون علاقة"Des relations sans relation معه. وبالرغم مما يبدو أنّ هذه المقاربات متباينة في التفاصيل، ومجزأةً على نحو لافت للنظر، فيما يخص مفهوم "العلاقة الناجحة مع العالم"، فإن مؤلفيها يشتركون في فكرة وهي أنّ العلاقة مع العالم، سواء في نمط تحققه الفردي أو التاريخي، لا تعتمد إلى حد كبير على قوة تصرّف الأفراد وما يقررّونه، مادام أنه يتم إعادة تشكيلها وتحديدها سلفاً عبر العلاقات الاجتماعية التي يتم تأسيسها وتوطيدها وتعديلها دون علمهم.
Hartmut Rosa, Résonance. Une sociologie de la relation au monde. Traduit par Sacha zilberfarb, les éditions La Découverte, 2018, p 36.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق