أعلان الهيدر

الجمعة، 20 ديسمبر 2019

الرئيسية الفن والحوار مع الطبيعة

الفن والحوار مع الطبيعة


الفن والحوار مع الطبيعة


تأليف: بول كلي
ترجمة وتقديم: كمال بومنير

وُلد الرسّام السويسري بول كلي Paul Klee عام 1879 في مدينة برن Berne. التحق بأكاديمية ميونخ بألمانيا قصد تعلّم فن الرسم. وفي عام 1914 سافر إلى تونس. وقد كان لهذا السفر تأثيره العميق على نظرته إلى الألوان والأشكال الفنية. وفي عام 1931 تقلد منصب الأستاذية بأكاديمية دوسلدورف الألمانية. وبعد صعود النازية إلى الحكم عام 1933 أقيل من منصبه، وعاد إلى سويسرا واستقر فيها. هذا، وتوفي بول كلي عام 1940. من أهم أعماله: "حول السمكة" 1933، "الموت والنار" 1940،"إعادة بناء" 1925، "أشجار في أكتوبر"1931، "الشجار" 1930، "الرجل العاقل"1931، "الخوف"1934، "منظر جبل مبهج" 1929، "منازل حمراء وصفراء في تونس" 1914، "السمكة الذهبية" 1925 "، "رحلة مظلمة في مركب"1940.

النص:

ليس من شك أنّ الحوار مع الطبيعة بالنسبة إلى الفنّان شرطٌ لازم لأنّ الفنّان إنسان، وبذلك فهو في حد ذاته طبيعةٌ أو جزء من الطبيعة، إذ أنه ينتمي إلى مجالها. والحقُ إنّ تنوّع عدد ونوع السُبل التي يسلكها الإنسانُ في عملية الإبداع الفنيّ -كما في الدراسة المرتبطة بالطبيعة- تتوقف على موقفه من الفضاء الذي يتمتع به داخل هذا المجال فقط. وقد تبدو هذه السبل أحيانا شيئا جديدا، لكن من دون أن تكون كذلك. أما الشيء الجديد حقيقةً فهو تركيبها أو توليفها فقط. ولربما كانت هذه الجدة كامنة في عدد أو نوع السبل بالمقارنة مع ما كان سائدا في الماضي. ويبقى أنّ الجدة بالنسبة إلى الماضي هي علامة ثورية، حتى وإن كان هذا غير كافٍ –بطبيعة الحال- لهدم العالم القديم. والحالُ أنه لم يعد من الممكن الاستغناء عن الابتهاج الذي أصبحت توحي به السبل الجديدة. ولكن، ومع ذلك، فإنّ المجال الواسع للذاكرة التاريخية يجب أن تجنبنا البحث المتشنج عن الجديد على حساب ما هو طبيعي. والجدير بالذكر بهذا الصدد هو أنّ الاعتقاد الفنيّ الذي ساد في الماضي بل وحتى ما يخص دراسة الطبيعة أيضا قد ارتكز على ما يمكن أن نسميه بالدراسة المفصّلة بصعوبة للمظاهر. لقد كان الأنا والغير، الفنّان والموضوع، في سعي دائم لتحقيق التواصل عبر مسلك فيزيائي-بصري من خلال تلك الطبقة الهوائية التي تفصل الأنا عن الآخر. إذ ذاك كان من الممكن أن نحصل على مناظر رائعة من سطح الشيء المصفى بواسطة الهواء. تبعا لهذا، سيكون من الممكن أيضا قيام فن بصري خالص وبصورة مكتملة أيضا. وعلى هذا النحو سيتم التخلي عن فن التأمل ورد الانطباعات غير الفيزيائية مرئية. وذلك أنه لم يعد من الممكن الغضّ من شأن الاكتشافات العلمية المتعلقة بالمرئي، بل أصبح من الواجب توسيعها فقط.
بهذا الصدد، يجدر بنا أن نُبدي ملاحظة هي من الأهمية بمكان، وهي ملاحظة تخص الطريقة البصرية وحدها التي لم تعد –والحقُ يقال- كافية لتحقيق حاجات اليوم، علما أنها لم تكن هذه الحاجات موجودة في الماضي. ما من شك في أنّ الفنّان اليوم أفضل من آلة التصوير لأنه متميز بفكره الثاقب. علاوة على ذلك فهو أكثر تعقيدا وغنى منها. كما أنه يتمتع أيضا بحرية الاختيار والتصرّف. وبطبيعة الحال فهو مخلوق يعيش في الأرض وفي الكون كله. والحالُ أنه مخلوق يعيش في كوكب وسط كواكب. إنه لأمرٌ لافتٌ كيف ستنعكس هذه الوقائع شيئا فشيئا على المقاربة الجديدة للموضوع الطبيعي أي النبات والحيوان والإنسان، الذي أصبح يُنظر إليه ضمن نطاق منظر طبيعي أو الكون برمته الذي سيميل إلى اتخاذ طابع كلي انطلاقا من تصوّر موّسع للموضوع من حيث هو كذلك.
بالنظر إلى ما تقدم من طرحنا إلى حد الآن فإنّ معرفتنا بالواقع الداخلي للموضوع ستبين لنا من دون شك كيف يصبح هذا الأخير أكثر من مجرّد مظهر له. لهذا السبب لن ينحصر في جانبه الخارجي كما يعتقد البعض. والحقُ أنّ طابع الشيء ينتظم وفق عدد ونوع الأشكال التي يتم انجازها. وهذا ما يتمثل في ما يسمى بالاستبطان المرئي، سواء بواسطة سكين حاد أو بواسطة وسائل أخرى باستطاعتها الكشف عن البنية والوظيفة المادية للشيء بوضوح وجلاء.
Paul Klee, Théorie de l’art moderne, Traduit de l’allemand par Pierre Henri Gonthier, Paris, éditions Denoël, 1985, p 43

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.