الجمال والنظام المتعالي
تأليف: جاك ماريتان
ترجمة وتقديم: كمال بومنير
جاك ماريتان Jacques Maritain فيلسوف فرنسي معاصر، ولد في مدينة باريس عام 1882 وتوفي في 1973. يعتبر أحد أقطاب ما يسمى بالفلسفة التوماوية الجديدة Le néo-thomisme . دافع جاك ماريتان عن فلسفة مسيحية قائمة على أصول دينية وميتافيزيقية ومتوافقة في الوقت نفسه مع العقل والعلم. ودافع أيضا عن توماوية (تجمع بين فلسفة القديس توما الأكويني وأرسطو) منسجمة مع روح العصر. هذا، وقد انصبت أعماله الفلسفية على العديد من المباحث منها على وجه الخصوص: الميتافيزيقا، فلسفة العلوم، الأخلاق، السياسة، الدين، والفن. من أهم أعماله (وهي كثيرة جدا) يمكن أن نذكر: "الفلسفة البرغسونية" 1914، "الدين والثقافة" 1930، "التوماوية والحضارة" 1932، "حول الفلسفة المسيحية" 1933، "حول النظام الزمني والحرية" 1933، "سبعة دروس حول الوجود والمبادئ الأولى للعقل التصوري" 1934، "العلم والحكمة" 1935، "فلسفة الطبيعة" 1935، "حول العدالة السياسية" 1940، "حقوق الإنسان والقانون الطبيعي" 1942، "دلالة الإلحاد المعاصر" 1949، "من أجل فلسفة تربوية" 1959، "الفلسفة في المدينة" 1960، "الفلسفة الأخلاقية" 1960، "الحدس المبدع في الفن والشعر" 1966، "حول تربية الإنسان" 1967.
النص:
معلومٌ أنّ الجميل ينتمي إلى نظام التصورات "المتعالية" التي تتجاوز كل ما يحّد الأنواع أو المقولات ولا ينحصرُ في أي صنف من الأصناف لأنّ هذه التصورات موجودةٌ في كل مكان. وهو ما يفضي إلى القول بأنّ الجمال –مثل الواحد والحق والخير- يتقوّمُ بالوجود ذاته حتى وإن اتخذ مظهرا آخر، باعتباره صفة من صفات الوجود. وبذلك، فهو ليس مجرد شيءٍ عارضٍ يضاف إلى الوجود. وعندئذ، لا نستغرب أن يكون الجمالُ وجوداً من حيث كونُه يبهجُ طبيعتنا العقلية. وهكذا، يمكننا أن نقول بأنّ كل شيء جميل، مثلما نقول أيضا أنّ كل شيء خيّر. وبما أنّ الوجود حاضرٌ في كل شيء وفي كل مكان ومتنوع، فإنّ الجميل أيضا موجودٌ في كل شيء وفي كل مكان. ومن المهمّ أن نلاحظ، في أية حال، أنّ الجميل –مثل الوجود والتصورات المتعالية الأخرى- "مماثلٌ"، أي يقال بمعانٍ متعددة.معلومٌ أيضاً أنّ التصورات المتماثلة تقال بخصوص الله لأنّ الكمال الذي تتضمنه هذه التصورات موجودٌ بصورة "شكلية-رفيعة وسامية" ضمن صورته الخالصة وغير المتناهية. والحالُ أنّ الله هو "سيدها المتماثل"، كونها (أي التصورات) موجودةٌ في الأشياء كانعكاس مبعثر أو مشتت لوجه الله. وبذلك يمكننا القول إنّ الجمال اسم من أسماء الله. وإذا كان الأمر كذلك، لزم القول بأنّ الله جميلٌ، بل هو الأجمل على الإطلاق لأن جماله –كما ذهب إلى ذلك دينيس لايروباجيتي Denys l’Aréopagite والقديس توما الأكويني Saint Thomas d’Aquin، غير قابل للفساد وخالٍ من تقلبات الزمان ومن التغيّر والفساد، وبذلك فهو غير قابل للزيادة أو النقصان. وفي هذا، هو ليس كالجمال الموجود في الأشياء لأنه جميل بذاته وفي ذاته. وعلينا أن نذكّر عند هذه النقطة بأنّ جمالَه مطلقٌ. ولنضف إلى ذلك أنّه جميل للغاية وفوق حد ما يمكن تصوره.ولا يخفى أنّ وحدة طبيعته الكاملة موجودة مسبقا، وبكيفية فوق-سامية باعتبارها ينبوع كل جمال. هو الجمال ذاته الذي يمنح مخلوقاتِه الجمالَ وفق ما يميّز كل مخلوقٍ من هذه المخلوقات لأنه –والحقُ يقال- مصدر التناغم الموجود في الكون. الأمرُ اللافت بلا شك هو أنّ كل تناغم وانسجام وتوافق، مهما كان بين الموجودات يتأتى من الجمال الإلهي. وبناء على هذا، فإنّ جمال المخلوقات ليس في واقع الأمر سوى مجرد مشابهة للجمال الإلهي المشارك في الأشياء، كما أنّ كل شكل من الأشكال هو مبدأ للوجود وأساس لكل توافق أو تناغم، وعلى هذا يجب أن نقر هنا أنّ الجمال الإلهي هو سبب وجود كل شيء.وعلى هذا النحو أيضا ينتمي الجمالُ إلى النظام المتعالي والميتافيزيقي.
Jacques Maritain, Art et scolastique, Paris, Librairie de l’art catholique, 1920, pp 40-41.
ملحوظة:اللوحات الفنية من إنجاز صديقي المغربي الفنان المبدع والمتألق محمد السالمي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق