أعلان الهيدر

الاثنين، 25 مايو 2020

الرئيسية حول متعة الجميل

حول متعة الجميل


حول متعة الجميل



تأليف: برنارد بولتزانو
تقديم وترجمة: كمال بومنير 




برنارد بولتزانو Bernard Bolzano فيلسوف ومنطقي ولاهوتي تشيكي، ولد في 1781 بمدينة براغ، وتوفي في 1848. له العديد من الإسهامات في العلوم الرياضية، وفي فلسفة الرياضيات والمنطق. كان تأثيره على الفلسفتين التحليلية والفينومنولوجية كبيرا، ومازالت أعماله تكتسي أهمية بالغة في الدراسات المنطقية المعاصرة، وخاصة بعد صدور كتابه "مفارقات اللامتناهي" Les paradoxes de l'infini عام 1851. أما أعماله الجمالية والفنية فهي متضمنة في كتابه الموسوم ﺑ "كتابات استطيقية" الذي حلّل فيه بعمق كبير مفهوم الجميل وفق منظور واقعي وانطولوجي، ومن خلال مقاربة آليات إنتاج الجميل. من أهم أعمال بولتزانو أيضا: "مساهمات في العلم الرياضي" 1810، "نظرية العلم" 1837، "ما الفلسفة" 1849، "مفارقات اللامتناهي" 1851.
النص: 


لنركز اهتمامَنا -أولا وقبل كل شيء- على "الخاصيةِ الأساسيةِ" للتأمل المتعلق بالتمتع بجمال شيء ما، ولنتساءل عن مضمونه أيضا؛ فأين تتوجه أفكارُنا حينما نشعر بجمال هذا الشيء؟ ممّا لا ريب فيه أنّ قدرتنا على مساءلة هذه الحالات، من حيثُ كونُها غير معروفةٍ في ذاتها، يؤكد لنا مدى خصوصيةِ هذا التأملُ، ويثبت لنا أيضا أنّ جملة الآراء والأفكار التي ندركها حينما نتأمل الجميلَ مكوّنةٌ بيسر وسهولة، بحيث أنها قد تتلاشى بسرعة فائقة، إلى درجة أنها لا تبلغ عادة وعيا متميزا بذلك. وإذا كان الأمرُ على هذه الصورة، سيكون لدينا –بطبيعة الحال-حدسًا خاصًا بهذه التمثلات Les représentations والأحكام والاستدلالات التي تتكوّن لدينا أثناء تأملنا لشيء جميل؛ ولكن، في حالة ما إذا كان هذا الحدسُ لا يتم إلا في جانب محدّد من أفكارنا الذي يتضمنُ –كما هو معلومٌ- ما هو "مشترك" وخاص بتأمل كل الأشياء الجميلة ألا يمكننا في هذه الحالة أن نشير –وبدون تردد- إلى ما نحن بصدد التفكير فيه حينما نكون أمام شيء جميل؟ ليس من شك أنّ هذا الأمر متعلقٌ بالجميلِ. والحقُ أنَّ الشيء الجميل يمنحنا متعةً حينما نتأمله بيسر وسرعة، بحيث لا نكون في حاجة إلى أن نعي الأفكار التي يولدها. ومما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق أنّ استعمال هذه العبارة التي اخترتها هنا كان بغرض تبيين رأيي فيما يخص هذه المسألة، لذلك فأنا لم أقل بأنّ شيئا ما لا يحقّق لنا التمتع بالجمال حينما تبلغ التمثلاتُ مستوى الوعي المتميّز. إنّ ما أردتُ تبيانه هنا هو أنّ الجمال يقتضي أن تنمو جملة الأفكار التي يثيرها فينا الشيءُ الجميلُ بيسر، بحيث تكون لدينا القدرة على انجازها من دون أن نكون واعين بكل هذه الأفكار، أو بمعنى آخر، من دون أن نحكم بكونها موجودة لدينا، بل ومن دون أن نتمثّل حدسا خاصا بخصوص هذه الأفكار. لذلك، يمكننا القول هنا أنّ هذه المتعة الخاصة الناتجة عن تأمل شيء جميل تنتمي بالضرورة-بحسب ما اعتقد- إلى ما يسمى ﺑــ "الرضا بالجميل" لأنّ للموضوع الجمالي المدرَك خاصيةٌ تجعل الأفكار التي يثيرها فينا تتقدم ببطء وصعوبة. ولعل من المناسب أن نلاحظ، هنا، أنّه حينما تصل الاستدلالات والأحكام التي نكوّنها في أذهاننا إلى وعينا المتميّز فإنه سيتعذر علينا في هذه الحالة أن نتحدث عن نوع من الرضا كان قد تحقق في الماضي ولا أن نعتبر هذا الرضا نوعا من التمتع بالجميل. والحقُ أنّ الإقرار بذلك يعني –بطبيعة الحال-الإقرار بأنّ الجمال يكتسي طابعا كونيا.
Bernard Bolzano, Ecrits esthétiques. Traduction de Carole Maigne, Nicolas Riallard, Jan Sebestik, Paris, Librairie Philosophique Vrin, 2016, p 58.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.